السعي خلف المال: كيف كسب أعظم كُتاب العالم رزقهم.

إنها أوقات عصيبة للكُتاب، إن الصحفيين يُلقَون في المجهول، وتمويل الفنون يتقلص بشكل كبير، تكاليف البث الإذاعي يتم تقليلها، أما تكاليف نشر الكتب فهي في ارتفاع مستمر.

أحياناً يبدو كما لو أن زمن عيش الكاتب على كتاباته على وشك الانتهاء بسبب الطمع المستشري في التعاملات الإنسانية، التي تهتم  فقط بالأرقام وأرباح الأسهم. لقد قام الكاتبان الأستراليان فرانك مورهاوس وبين أيلثام باقتراح عدة طرق لمساعدة الكُتاب في الحصول على أجور لدعم أعمالهم.

لذلك، إنه من المناسب أن ننظر في بعض الطرق الغريبة، واليائسة ولربما الخطرة في بعض الأحيان،  التي اكتسب الكُتاب عن طريقها عبر التاريخ، فإن لم يكن عن طريق كتاباتهم فعلى الأقل عن طريق دهائهم. هذه اثنا عشر طريقة تم بواسطتها كتابة الكلاسيكيات الغربية.

1-الإعلانات

على خلاف المهن الأخرى، فإن الإعلانات ما تزال تدرّ رِبحاً جيداً (على الرغم من أن بعض الكُتاب يخافون من أن يضطروا لبيع روحهم لأجل ذلك).

لقد كانت كاتبة الجريمة الإنكليزية دورثي سايرس تملك الطابق العلوي في مكتب شركة بينسون للإعلانات. حيث قامت باختراع نادي الخردل، وهو كيان محب للخردل ويملك نصف مليون عضو  في المملكة المتحدة، كما قامت بإبداع شعار “Just think what Toucan do” لشراب الجعة الخاص بشركة غينيس.


https://www.flickr.com/photos/bensutherland/3455837304

قام بيتر كاري بابتكار الأغنية الشهيرة “قطة فوق بلاط السقف” لصالح شركة مونير لبلاط الأسقف. لقد قضى سلمان رشدي عدة سنوات مبهجة مع شركة أوغيلفي وماثر” Ogilvy & Mather” حيث قام باختراع “أنظر في المرآة غداً- ما تراه سيعجبك” ” “Look into the Mirror tomorrow – you’ll like what you see”” وذلك لصالح صحيفة الديلي ميرور.  دان ديليلو كان أيضاً موظفاً في أوغليفي وماثر قسم نيويورك، لكنه لا يتحدث عن هذا الشيء كثيراً.

حتى فرانسيس سكوت فيتزجيرالد  قضى فترة قصيرة مع شركة بارون كوليرز.  فهو لم يعطنا رواية غاتسبي العظيم فقط، لكنه قام أيضاً بإبداع “نبقيكم نظيفين في موسكاتين”  “We keep you clean in Muscatine” لصالح مكوى موسكاتين للغسيل بالبخار في مدينة موسكاتين في ولاية آيوا.

2- موظفي بريد

قامت دائرة البريد بتوفير جنة آمنة لكثير من الكتاب. لقد قام أنتوني ترولوب بكتابة رواياته عن طريق تخصيص ثلاث ساعات كل صباح قبل ذهابه لعمله اليومي في مكتب البريد، وهو العمل الذي حافظ عليه لمدة 33 سنة. لقد عمل تشارلز بوكوفسكي في خدمة البريد أيضاً، وحافظ على عمله هذا لمدة عشر سنوات. (عنوان روايته الأولى كان مكتب البريد وبطلها كان موظف بريد.)

لقد كان ويليام فوكنر مدير مكتب بريد في ولاية ميسيسيبي، لكنه لم يكن جيداً في الحفاظ على عمله إلى حد ما. رسالة استقالته الشهيرة تقول:

طالما أني أعيش تحت ظل النظام الرأسمالي، فأنا أتوقع أن تتأثر حياتي برغبات الأثرياء.  لكني سأكون ملعونا إن قمت بالانحناء والتملق لأي حثالة دونية فقط لأنه قام باستثمار سنتين في طوابع البريد.

ذهب فولكنر للعمل في محطة توليد الكهرباء حيث قام بصياغة بينما أرقد محتضرة في ست أو ثمان أسابيع، حيث كان يكتب ما بين منتصف الليل والرابعة صباحاً.

3- منظفين ومبيدي حشرات

لقد كان كين كيسي منظف ليلي في مستشفى للأمراض العقلية. وقام كذلك بالتطوع لكي يكون فأر تجارب في دراسة عن العقل الباطن قامت بها الاستخبارات الأمريكية تحت كنف مؤسسة وهمية في مبنى مينلو بارك. هذه التجربة هي ما أعطتنا أحدهم طار فوق عش الوقواق“One Flew Over the Cuckoo’s Nest.”

قام ستيفن كينغ أيضاً بالعمل كمنظف في أحدى المدارس الثانوية.  لقد عمل ويليام بوروز كمبيد حشرات في شيكاغو. وقد ذكر في سيرة جاك كيروك أنه عمل كعامل قطف قطن، منظف صحون، حارس ليلي، وعامل في محطة بنزين.

4-تدوين النوتات الموسيقية

على ما يبدو فإن الكُتاب اليائسين لديهم الاستعداد لفعل أي شيء. بعد أن تم حضر كتبه وتخلي جميع رعاته عنه قام روسو بتدوين ما يقارب ال9,000 صفحة من النوتات الموسيقية بمعدل 6 سول [عملة سويسرية] للصفحة الواحدة بين سنة 1770 وبين وفاته في 1778.

5- الصيد غير المشروع

لقد كان جاك لندن جامع محار شهير, على الرغم من أنه يفضل أن يدعو نفسه ب” قرصان المحار”. هناك قصة مشكوك بها تقول أن شكسبير قد أجبر على الهروب من ستانفورد بعد أن تم امساكه لقيامه بصيد غزال في ملكية خاصة، مما أدى إلى خلاف دائم بينه وبين اللورد في تلك المنطقة.

ليس هنالك شك بأن شكسبير قادر على صيد الخنازير وقتما أراد. لقد قام ايرل روتلاند بدفع ما لا يقل عن أربعة باوندات وثمان شلنات لشكسبير وممثله الرئيسي ريتشارد بورباغ (الذي كان يعمل أيضاً كرسام) لكي يقوموا بصنع درع وكتابة شعار معين عليه لكي يستطيع ايرل روتلاند الظهور بمظهر لائق في دورة الألعاب.

قام شكسبير بإرسال المال لمنزله إلى زوجته العبقرية في ستانفورد، وبهدوء قامت بشراء الكثير من الأراضي الزراعية وقامت باحتكار الجزء الأكبر من تجارة الحبوب في المنطقة.

6-السلك الأكاديمي

العديد من الكُتاب يُدرسون، لكن القليل فقط من يمارسها كمهنة. لقد كان ديفيد لونج أستاذاً في اللغة الإنكليزية، وكان ذلك حينما لم يكن على الأكاديميين الخوف من أشياء مثل تقييم البحوث، أو التقديم لأجل منح البحث. لقد كان جي.آر.آر تولكين أستاذاً في اللغة الأنجلوساكسونية في أوكسفورد، لقد قام بالإضافة لرواياته بإصدار طبعات موثقة عن الرواية الفروسية “السير غواين والفارس الأخضر” وملحمة بيوولف.

لقد قام روبرت فروست بالتدريس في جامعة أميرست ولقد كان فلاديمير نابوكوف أستاذاً في الأدب الروسي في جامعة كورنيل. لكن لم يتفق الجميع على أن هذه فكرة حسنة. لقد اعترض اللغوي المشهور رومان جاكوبسون على ترشيح نابوكوف لمنصب في قسم الأدب في هارفرد وقال: “ماذا بعد؟ هل علينا أن نعين فيلا لكي يدرس علم الحيوان؟”

7- قيم في متحف الفراشات

لقد كانت الوظيفة الأولى لنابوكوف عند وصوله للولايات المتحدة هي العمل كقيم على قسم قشريات الجناح في متحف علم الحيوان المقارن في هارفرد. لقد بقي هناك لمدة ست سنوات.

8- الترويج لسياسيّين

من المذهل عدد الكتاب الذين انتهى بهم الأمر في الجانب الموحل من السياسية. ومن المشهور أن جون بوشان كان يكسب ألف باوند من عمله كرئيس لوزارة الإعلام، وقد كان هربرت جورج ويلز، وآرثر كونان دويل، وجيه. بي. بريستلي, وفورد مادوكس فورد من المقربين لمكتب الدعاية السياسية، وقد قاموا بتقديم مقالات ومنشورات مدفوعة وغير مدفوعة الثمن من ضمنها كتاب دويل  “(To Arms! (1914” وكتاب فورد ” When Blood is Their Argument (1915)”. لقد كان آرنولد بينيت مسؤول الدعاية الإنكليزية في فرنسا. لقد أصبح ويلز مسؤول قسم دعاية العدو حتى أدت مجموعة من الحوادث إلى استقالته الدراماتيكية.

لقد عمل جورج آوريل، الذي قضى حياته يشحذ المال أينما استطاع، كموظف في الشرطة الإمبراطورية في بورما، وهي مؤسسة كان آوريل يمقتها بشدة. وبعد أن عاد إلى لندن، بدأ بالعمل في الBBC  كمروج سياسي مدفوع الثمن  ومنها كان يبث إلى الهند. إن الصراع النفسي الناتج من كون العدو اللدود لمفهوم الوطنية السخيفة يخدم كبوق حربي هو ما أعطانا 1984.

9-أطباء، محامين وكهنة

من البداية عرف بعض الكتاب أن هناك طرقا أفضل لكسب المال. لقد كان هنري فيلدنغ قاضيا، لكنه قام بتقليل نصيبه ممّا اعتبره”أقذر مال على الأرض”إلى النصف عن طريق”عدم أخذ شيلينغ وأحد من أي شخص لم يملك غيره”.

لقد كان جوناثان سويفت كاهناً في أبرشية لاراكور-  لقد ساعدته حقيقة أن عدد أعضاء أبرشيته 15 شخصاً مما أعطاه الكثير من الوقت للكتابة، وهو الشيء الذي قام به في أغلب الأوقات في نوادي لندن الفخمة.

لقد كان كل من أنطوان تشيخوف، سومرست موم وويليامز كارلوس ويليامز أطباء. كذلك كان آرثر كونان دويل. لم يكن لدويل مسيرة طبية ناجحة جداً في بورتسموث وقام بكتابة دراسة في اللون القرمزي في أوقات الفراغ المملة ما بين فحصه للمرضى. بعد ذلك أصبح طبيب عيون في شارع آبر ويمبول، لندن، لكنه يدعي أنه لم يستطع أبداً شفاء مريض واحد بشكل كامل.

10- مدير صالة سينما

لقد كان جيمس جويس يضع الخطط لكسب المال، بينما كان يشحذ المال عن طريق عمله كمدرس للغة الإنكليزية. قام جويس بمساعدة بعض الأصدقاء الإيطاليين بفتح مسرح فولتا الكهربائي في دوبلين، في شارع ماري، لكنه لم يستطع الاحتفاظ به لأكثر من سبعة أشهر. بعد ذلك خطط للقيام بتصدير نسيج التويد الأيرلندي لمدينة تريستي في إيطاليا.

لم تكن لرواية يوليسيس أن تنشر لولا دعم الناشرة النسوية هارييت شو ويفر، والتي بعد أن قامت بنشر صورة الفنان في شبابه في هيئة كتاب، وفرت لجويس في فبراير 1917 مدخل قدره 200 جنيه في السنة لكي يمول أعماله. وبعد ذلك قامت ويفر بإنشاء صندوق استثماري، وقد وفر مردود هذا الصندوق دخل مستمر لجويس طوال حياته.

11- موظفة حجز في شركة طيران

لقد عملت هابر لي لأكثر من ثمان سنوات كموظفة حجز في شركة أيسترن أيرلاينز وشركة الخطوط الجوية البريطانية لما وراء البحار. لقد تغير كل هذا في 1956، عندما استلمت لي هدية عيد الميلاد من قبل ملحن مسرحيات برودواي مايكل براون وزوجته جوي وكتب في البطاقة” لديكِ إجازة لمدة سنة كاملة لكي تكتبي فيها ما تشائين”. قامت لي بصياغة النسخة الأولية من أن تقتل عصفوراً ساخراً في 12 شهر.

12- الرعاية أو الكفالة

من الصعب تصديق ذلك، لكن الكتاب لم يكسبوا أي شيء من كتبهم حتى تم اختراع الحقوق الفكرية في القرن الثامن عشر. وقد كانوا بدلاً من ذلك يعتمدون على الرعاة الأغنياء لكي يعيلوهم.

هذه العلاقة المزعجة أدت بسامويل جونسون لإدراج تعريف متناقض في قاموسه سنة 1755 فبعد تعريف “الراعي: هو الشخص الذي يؤيد، يدعم ويحمي” أضاف: “وهو على الأرجح صعلوك يدعم عن طريق الإهانة ويُدفع لهُ عن طريق الإطراءات.”

يقال أن شكسبير قد حصل على ما يقارب الألف جنيه عن طريق إهداءاته العذبة لآيرل ساوثهامبتون (على الرغم من أن مئة جنيه كان يعد كرماً كبيراً). وبالتالي قد كتب: “أن الحب الذي أكرّسه لفخامتكم لا يعرف النهاية؛ ومن دون هذه المقدمة، فهذا العمل ليس إلا خواطر عديمة النفع.”

لكن اختيار راعٍ قد يكون خطراً. فآيرل ساوثهامبتون قد سجن من قبل الملكة آليزابيث الأولى وذلك لدوره في تمرد 1601 الذي قاده آيرل أسيكس ضد الملكة. قامت مقاطعة ساوثهامبتون بتنظيم مسرحية ريتشارد الثاني بشكل خاص. على الرغم من  أنه لا يوجد دليل على أن شكسبير قد عوقب بشكل مباشر، لكنه كان يملك أسباباً مقنعة لكي يقلق، لأن الكُتاب الآخرين كانوا يعذبون وحتى يقتلون في بريطانيا الآليزابيثية.

مهنة الكتابة

  بالتأكيد، إن الصحافة كانت بدون شك الطريقة الفضلى للكُتاب لكي يكسبوا معيشتهم. بعد أن تم استبدال الرعاة عن طريق نهوض الصحافة التجارية، استطاع الكتاب التوجه نحو الكتابة عن الأشخاص  الحقيقيين. كان سامويل ريتشاردسون  يعمل في مجال الطباعة. قام سامويل تايلر كولريدج بتحرير دوريتي ” The Watchman” و” The Friend”. لقد كان تشارلز ديكنز مراسل صحفي البرلمان ثم أصبح محرراً فناشراً في دار نشر” Household Words”.

في الواقع، فإن الكتابة في الدوريات هو ما سمح للكثير من النساء في القرن التاسع عشر بأن يوفرن دخلاً مستقلا. فجين أوستن قد جمعت طوال حياتها ما يقارب 84 باوند و13 شيلينغ عن طريق رواياتها (وهذه أعمال قد أدرت الملايين قي القرون اللاحقة).

لكن استطاعت هارييت بيتشرستو أن تصبح المعيل الوحيد لعائلتها، فهي لم تكتب كوخ العم توم فقط، لكنها كانت تكتب في الدوريات، إهداءات الكتب، الكتب المدرسية والحوليات الشهيرة. لقد أصبحت مارغريت فاولر أول محررة في صحيفة النيويورك ترايبون، وكذلك أول مراسلة أجنبية تغطي الثورة الايطالية.

أما اليوم، فالمشكلة أنه ليس على الكتاب بل وعلى المراسلين أيضاً أن يلجئوا إلى المنح الفنية.

بقلم:كاميلا نيلسون، المقال الأصلي.

تدقيق لغوي: عمر دريوش

كاتب

الصورة الافتراضية
Sajjad Thaier
المقالات: 0