اعتبر الشعب الإيراني علي شريعتي مفكّرَ الثّورة ومنظّرها بعدما قضى حياتَه يناضل لزرع أفكاره السابقة لعصره ليقف في وجه نظام الشاه الملكي الذي سقط بعد وفاته بسنتين، مع ذلك ما زالت هذه الشخصية تثير الجدل إلى اليوم وتلقى نصيبا من الاتهامات المتناقضة؛ فهناك من نعته بالزندقة ليصفه آخرون بالوهّابي وغيرهم قالوا أنه اشتراكي ماركسي، فتعددت التوصيفات والشخص واحد.
ظهور المعلم والمناضل:
نشأ علي شريعتي في وسطٍ مثقّفٍ ذي توجّه علمي وديني معتدل، استهل مساره النّضالي بعدما أصبح مدرسا في الثانوية من خلال تأسيس اتحاد الطلبة المسلمين عام 1952 وفي ظل الوسط الفكري الثري انطلقت رحلته في النضال السياسي لتبدأ سلسلة اعتقالاته لأول مرة عام 1958 ليصبح في العام الموالي ممثلا بحركة المقاومة الوطنية بالخارج، خلال فترة دراسته في فرنسا، ليتحصل في العام نفسه على شهادتي دكتوراه في التاريخ الإسلامي وفي علم الاجتماع.
خلال فترة إقامته في فرنسا واصل شريعتي النفخ في موقد التحرر ليدعم حركات التحرر في العالم الثالث؛ وخاصة الثورة الجزائرية. كما كان على تواصل مع مناضلين سياسيين كفرانز فانون. سُجن شريعتي في مظاهرات استهجنت اغتيال المخابرات البلجيكية لرئيس وزراء الكونغو المنتخب باتريس لمومبا. ليعود لبلده عام 1963 ويُسجن على الحدود بسبب نشاطه النضالي المتواصل والذي تضمن تأسيس حركة حرية إيران في الخارج.
رائد الاصلاح الإسلامي في إيران:
لم يكن علي شريعتي على وفاق مع المؤسسة الدينية وذلك لسعيه إلى تنقيتها من أشكال الظلم والجهل، والمذهبِ الشيعي على وجه الخصوص من الخرافات التي التصقت به، فكان من دعاة الوحدة الإسلامية بعيدا عن التعصب المذهبي وهو ما سماه بالتشيع الصّفوي والتسنن الأموي والعودة لروح الإسلام التي لا تقصي أحدا وقد كتب في هذا الشأن:
لقد اعتبر أن الإسلام الحقيقي هو النموذج الأمثل لاستخلاف الله الإنسانَ في الأرض، لتحقيق العدالة الاجتماعية والحقوق الإنسانية دون استغلاله لخدمة السلطة السياسية لكنه لم يستعن بالثقافة الغربية لمحاربة ذلك بل إنه راح يستلهم تجارب شخصيات كأبي ذر الغفاري وعلي بن أبي طالب وسلمان الفارسي.. وقد اهتم بمفهوم الحرية في الإسلام حيث يرى أن التوحيد بالأساس جاء ليخلص الناس من عبادة الآلهة والبشر كذلك من القادة والحكام وهذا ما جعله على خلاف دائم مع المؤسسة الدينية التي كانت تمنع ما تسمّيه الخروج عن الإمام.
نعم للنّباهة، لا للاستحمار:
النباهة والاستحمار عنوان أشهر كتبه وهو عبارة عن خطب مسجلة ألقاها في العاصمة الإيرانية طهران، نُقلت على الورق ونُشرت بعد 7 سنوات من وفاته. تتلخص فكرة الكتاب حول قيمة الإنسان التي تكمن في استغلاله لطاقاته وإمكانياته باعتبارها مسؤولية كل فرد يعي دورَه بالنسبة للمجتمع وهو ما يعبّر عنه بالنباهة الاجتماعية وفي الجهة المقابلة يصف الداء الذي يعانيه المجتمع والذي يبعده عن المطالبة بحقوقه الإنسانية وقد سمّى ذلك بالاستحمار الذي يمكن أن يتّخذ شكلين، الأول تحت غطاء الدين والثاني تحت غطاء العلم يقدّمها رجال الدين والمثقفون المزيفون.
تأثيرٌ يمتد لما بعد الرحيل:
لم يثنه التضييق والاعتقالات عن مواصلة النضال، بل أراد أن يمرر أفكاره بشكل مباشر إلى المجتمع. فلم يكتف بالكتابة، وأسّس عام 1969 مع مجموعة من المثقفين حسينية الارشاد لتكون المنبر الجريء الذي يقف في وجه التزييف الذي لحق الإسلام والتبعية الحضارية للغرب، وقد انتشرت أفكارُه سريعا وقضّت مضجع السلطة ليتم اغلاق الحسينية عام 1973 والحكم عليه مع والده بـالسجن 18 شهرا ومنعه فيما بعد من النشاط ووضعه تحت المراقبة. هاجر المفكّر الفذّ قبل نهايته بفترة قصيرة إلى لندن أين وجد مقتولا في شقته وقد وجهت جهات كثيرة أصابع الاتهام لنظام الشاه باغتياله.
رحل شريعتي لكنّ أفكارَه بقيت راسخة في صدور الشباب الإيراني الذي قام بالثورة بعد عامين فقط، وبعيدا عن نتائج هذه الأخيرة، فأفكار المنظّر أثبتت ارتباطَها مع الواقع دون البقاء حبرا على ورق، مع ذلك لم تلقَ الاهتمام الكافي والانتشار الذي تستحقه خاصة في العالم العربي الذي يعاني إلى الآن من كل الظواهر التي تحدّث عنها في الكتب التي جمعها طلّابُه بعد وفاته.
المصادر:
- النباهة والاستحمار، علي شريعتي
- هكذا تكلّم علي شريعتي، فاضل رسول
تدقيق لغوي: كرنيف ربيحة.