سيكولوجيا الخنوع: لماذا يطيع البعض، ويعصي آخرون؟

وُجدت القوانين لإحلال النظام والأمن، عموما، يمكننا جميعا الاتفاق على هذه النقطة، لكن مع ذلك، نجد من يرفضها ويختار عصيانها. اذا ما الذي -من منظور نفسي- يجعل بعضنا ينصاع لهذه القوانين ويطيعها في حين يتجنب بعضنا الآخر هذه الفكرة ويرفضها؟

تبدو الطاعة والانصياع وكأنهما طبيعة ثانية لغالبيتنا، فنحن نُسيِّر ونعيش حياتنا كاملة وفق قواعد وقوانين سطرها آباؤنا، مدارسنا، وظائفنا، مدراؤنا ودولنا الي نعيش على أراضيها. الأمر ليس سيئا كما يحاول العديد الترويج له.

سيكولوجيا الطاعة:

هنالك مجموعة كاملة من الأسباب التي تجعلنا نطيع وننصاع، تمتد من الخوف من العقاب الى الايمان التام والكامل بما طُلِب منا فِعله، يمكن لهذه الأسباب أن تكون شخصيَّة أوعامة وهذا اعتمادا على سيكووجيا وطبيعة البشر.

الانحياز التام للوضع الراهن Status Quo Bias:

هذه النظرية في سيكولوجيا الخنوع تسلط الضوء على ميولاتنا الرافضة للتغيير. تقليديا نميل الى الالتزام بالقواعد والاجراءات التي اعتدنا عليها. نحن نطيع دوما القواعد المتأصلة في المجتمع لأن الانحراف عنها قد يعني فقدان وخسارة ما تم انشاؤه وبناؤه بالفعل.

نشعر وكأننا لن نخسر كثيرا اذا ما أطعنا القوانين، هذا لأن حياتنا لن تتغير كثيرا إن نحن لم ننحرف عن العادات تماما كاختيارنا لذات الوجبة في مطعم ما في كل زيارة، نحن ببساطة نحاول تجنب الشعور بالندم، هذا يدعى “النفور من الخسارة”.

نحن أيضا ضحايا لتأثير “مجرد التعرض”، هذه النظرية تفترض أننا نختار الخنوع والطاعة فقط لأننا كنا فد تعرضنا لها قبلا، هذا يشير الى أنه يتم انشاء الطاعة النفسية فعليا في محيط الفرد، فإذا كان آباؤنا وأصدقاؤنا أشحاصا مطيعين وخانعين، فإننا في الغالب نتأثر بهم ونكون مثلهم.

المراقبة الجمعيّة: Mass Surveillance:

لأننا نعلم أننا تحت المراقية، فإن طاعتنا أحيانا لا تكون نفسيَّة اطلاقا. قد لا نتفق مع القوانين ونعارضها ونتمنى لو استطعنا التصرف بطريقة مغايرة حيالها. للأسف، تواجد كاميرات المراقبة يعني أننا نبذل قصارى جهدنا لاطاعة القوانين، خطر الامساك بنا عند ارتكاب الخطأ كبير جدا عندما نعلم أنه تتم مراقبتنا.

القوة القسرية Coercive power:

عندما نخشى العقاب، نطيع القوانين، والسلطة تدرك جيدا امتلاكها لهذا النوع من القوة. العنصر النفسي لهذا النوع من الطاعة هو حالة القلق التي تعترينا عندما يتعلق الأمر بالعواقب. ترهبنا فكرة تلقي التوبيخ جدا، نخاف أن تسلب منا بعض الرفاهيات. إن نحن مثلا عصينا القوانين في العمل، قد نتعرض للطرد ونخسر وظائفنا.

بشكل مشابه تؤثر “قوة المكافأة” على مدى خنوعنا وانصياعنا للقوانين. في هذه الحالة نطيع أوامر وقوانين الآخر طمعا في المكافأة التي قد تكون مدحا، ترقية أو حتى هدية قيمة. من الناحية النفسية يمكن أن تكون المكافآت أكثر تأثيرا على استعدادنا للطاعة من تأثير خوفنا من العقاب

حالة الانصياع للسلطة Agentic state:

يرى علماء النفس أن حالة Agentic state أو حالة الانصياع للسلطة هي مساحة ذهنية ندخلها فتؤثر على طاعتنا. تنطبق هذه الحالة بشكل خاص عندما لا نتفق ولا نحبذ الأمر الذي تلقيناه كثيرا وننبذه، ننتقل لهذه الحالة لالقاء اللوم على من أعطى الأمر بدل لوم ذواتنا، وكأننا بطريقة ما نتنصل من المسؤولية ومن تأنيب الضمير.

يُلاحظ تطبيق هذه الحالة في الواقع في المجرمين الذين ارتكبوا جرائما فظيعة وشنيعة. لاحظ علماء النفس هذه الحالة من خلال تجارب أجريت على ضباط عملوا تحت قيادة هتلر قديما. كان هؤلاء الضباط النازيون يبررون دورهم في الجرائم الشنيعة المُرتكبة باستخدام عبارة: “كنت أقوم فقط بما طُلِب مني فعله”.

“حالة الانصياع للسلطة” هذه ساعدتهم على الاختباء خلف قادتهم وجعلتهم يعتقدون بشدة أنه لا يمكن لومهم على الرغم من ارتكابهم لجرائم وأفعال بشعة ووحشية، اذ ومن خلال اقناع أنفسنا بأننا لسنا من يتحمل المسؤولية فإننا على استعداد لارتكاب أكثر الجرائم بشاعة وشيطانية.

لكن، انطلاقا مما سبق، ائا كنا مهيئين نفسيا للطاعة، لماا يوجد من يعصي الأوامر ويخترق القوانين؟

ضغط الأقران (الأنداد) Peer Presure:

عندما نتوق للشهرة والشعبية وسط مجموعة ما، فإننا سنفعل كل ما يتطلبه الأمر. في المدرسة مثلا، أكثر الطلبة شهرة وشعبية هم من كانوا الأكثر جرأة بخرقهم للقوانين والقواعد، فتغيبوا عن الصفوف، تعاطوا المخدرات وشربوا الكحول، لقد عصوا أغلب القوانين التي سنتها المدرسة وأولياء الأمور، وبأفعالهم هذه كان الجميع يحبهم ويتطلع ليصبح مثلهم. هذا النوع من التأثير، يُلاحظ خاصة في سن المراهقة، إذ يعتبر التمرد أمرا مرغوبا به، بحيث أنه يُظهِر مدى شجاعة المُراهِق وهو كما سبق ذكره سلوك يجعل الأنظار كلها مسلطة نحوه.

بهذه النظرية، تذهب كل نظريات علم النفس التي تفسر الطاعة والخنوع على أنها طبيعة بشرية، تذهب كلها في مهب الريح. إذا أردنا أن نحظى بالقبول والشعبية وسط أقراننا، ماعلينا سوى أن نعصي القوانين، لا وجود للصواب والخطأ في هذه المعادلة.

العصيان الذكي Inteligent disobedience:

يعتبر المستوى التعليمي عاملا مهما في سيكولوجيا الطاعة، لأنه وببساطة، كلما كنت ساذجا، كلما زاد احتمال انصياعك لأوامر دون مناقشة أو تفكير حتى. مع الذكاء والاطلاع، تأتي القدرة على مراجعة القواعد، خاصة السياسات الحكومية، تُراجعها لنفسك، بنفسك.

يمكن ايعاز ارتفاع عدد المظاهرات وحركات التحرر حول العالم مؤخرا الى المعرفة الجديدة. هذه الحركات تعرف بحركات العصيان المدني. هذه المظاهرات المناهضة للقوانين والقواعد تعد نتيجة حتمية للمعرفة والتعليم، فبقدر معرفتنا حول قضية تغير المناخ أو العدالة الاجتماعيَّة، بقدر إدراكنا لعدم جدوى القواعد والقوانين والى أي حد هي خاطئة. محاولين أن نُلاحَظ من قبل السَّاسة الذين نرى أنهم ليسوا على قدر كبير من الاطلاع والمعرفة في بعض القضايا.

ولتصحيح حالة اللاعدالة هذه، علينا أن نكسر ونخرق بعض القوانين، فكما يقول المثل: لا يمكن أن تطبخ العجة دون كسر بعض البيض. لذا فمن الناحية النفسية نشعر أن معرفتنا واطلاعنا يتجاوزان بكثير الهرمية التقليدية. يمكن أن يشمل هذا الوالد الى الطفل، المعلم الى الطالب، أو المواطن الى الحكومة.

متلازمة المساعد Helper syndrom:

لنأخذ مثلا قصة روبن هود الذي كان يسرق من الغني ليعطي للفقير، هذا تصرف واضح من العصيان، فالسرقة تعتبر جريمة يعاقب عليها القانون، لكن مع ذلك، يمكننا في أحيان كثيرة تبريرها اذا ما اعتقدنا أننا نقوم بها من أجل المصلحة العامة.

إذا كانت عائلتك تعاني الفقر والجوع، هل من الجيد أن تسرق الخبز لاطعامهم؟ إذاما كنت تتعرض للتهديد، هل يعتبر الدفاع عن الذات مبررا للقتل؟ في بعض الأحيان نصدق أنه علينا القيام بعمل سيئ لتصحيح الأخطاء. قد يكون هذا التصرف لصالحنا أو نيابة عن المجتمع ككل.

المصدر: هنا

تدقيق لغوي: لوتيس ناصر

كاتب

الصورة الافتراضية
BOUKHALFI Bouchra
المقالات: 0