أعراض الكاتب الأشد حرجاً

(1)

لا أنتظر الوحي

أودّع كل شيء بإقراري لحين آخر، دون عُجالة للاستئناف مُجدداً للحياة الطبيعية، وإن كانت تنتظرني مُكالمة من حبيبة أعتز بها كثيراً. أتعرّى بعراء الجهل أمام ورقة بيضاء تنتظر تلقيحا من الحروف، يكون مصدرها دوائِر الأفكار المُبهمة الباحثة عن لقيط، ومن ذلك قد تتشكل الكلمات، أدفع حينها -قفزاً بيدي- كلمات رديئة لم تأت بجديد داخِل سلة مُهملات لحين العودة لها فى إتيان رغبة مُشكلة من قبور الذاكرة، لا أجرؤ على حذف شيء، كل ما يُقلم أعتز به وإن كان به فصل من خريف تتساقط أوراق معانيه يوماً تلو الآخر. ولا يتبقى لي غير العديد من الكلمات التى تحمل معها معان من قوات تدخُل سريعٍ إنقاذاً للواقع، ومن هذا كان الحرج الأول الشديد، التفكير في الإبقاء عليها!

(2)

شيء من تأنيب الضمير

أعيد مُزاولة النقد الجارِح على ما أبقيت عليه من الكلمات، وإن كانت جُملة أو اثنتين، حتى أقارن مدى موافقتها لإيقاع الحماس حين رهينة اللحظة الأولى من خلقها، وإن كانت تعدُل شُعلة من النيران أسير بمسيرة المُستكشف لإضافة رونق من التجديد، وإلا سأعلن حالة حِداد استعداداً لبدء عملية مُشينة فى التطهير.

(3)

العودة بعد المئة

سلة النفايات مُكتظة بعديد من الورق التالف بيانه، تُناديني بغلو الشفقة والسماح لعودة الحبيب بعد خيانته، لكني أصر على التدوير، يخترقني اليأس مُنذ قرابة اللحظة الأولى لإعلاء حالة من القبول لها، ولا شيء تمهيدي من إعلان النية سوى العثور على حقيقة غائبة، فهي تعدُل الإمساك برهينة، يتم تبادُل إطلاق سراحها فى مقابِل التنازُل عن جميع ما سبق من إنتاج الكلمات المُحملة بالهراء المتوافق مع وضع العيش.

(4)

الدفع بالحقيقة

وما كان رهين الكلمات إلا حياة حافِلة بالوصف.. وما كان رهين الكاتب إلا واقع يُشيد بالأكاذيب. حقيقة صادِقة أواجه بها كُل قاريء، بموجب صفعة أحتسب ألامها بداخِلي، من الممكن أن أكون كاذباً فى صدر صفحات، لكن الأشد أثراً أن يكون الواقع مُشيداً بعديد من الأكاذيب وتتصادق معه، ولا تُريد حتى أن تستودع طرفاً من النظر على غيره، ومن ذلك كان الدافِع الوحيد للكتابة، الكتابة فى سبيل الحقيقة.

(5)

رابطة من تشجيع الجماهير (الدافِع للكتابة)

لا يملك الكاتب وقوداً حركيًا للكتابة إلا ثلاثة أشياء: الواقع المليء بالهراء، والمطالعة المتنوعة، والخيال الخالِص الفسيح الذي يُعد أوسعهم أفقاً. وحديثو العهد من الكُتاب لديهم وقوداً آخر، هُم الجماهير (القُراء) ويكادون يكونون الدافع الأوحد لهم للكتابة من أجلهم، ولا عجب لإضافة بند جديد من بنود دور النشر يكون مكنونا لاستقبال المواد الأدبية للكتاب الأكثر شُهرة أو من لديهم آلاف من المتابعين على حسابات التواصُل الاجتماعي، وإذا حوصر القلم نحو هذة النُقطة، يُعلن المجد إشارة وداع، ولا شيء يكفُل للمجد سوى الحقيقة التي يلتف نحوها الجماهير من كل حدب وصوب. وبكامل الاعتزاز تكون رابطة المشجعين لي الثلاثة أشياء المُعتادة التى تُعد وقوداً للحركة، رغم أنهما جميعاً ترشدني دوماً لحرجٍ شديد.

(6)

الجُملة الأخيرة بمثابة اتخاذ قرار انتحار

هل تملُك الجُرأة لوقف امتدادات نبضات القلب، إن كان باستطاعتك ربما سيكون الحل الأمثل السقوط من شاهِق، أو حد الرقبة بالسكين، أو غيرها من الطُرق المنتهجة والآلية نحو نجاح محاولة الانتحار، كذلك الكاتب حين استغنائه عن الوحي غير المعلوم الذي يأتي له بمخزون من الكلمات، حينها فقط توضع النُقطة بعد الكلمة الأخيرة، وما كان ذلك إلا حرجاً شديداً لكفاف الكاتب لمصدر النبع المجهول.

تدقيق لغوي: بشرى بوخالفي

كاتب

الصورة الافتراضية
Mohamed Ali
المقالات: 0