من هي سيمون دي بوفوار؟

‏أريد كلَّ شيء من الحياة؛ أن أكون امرأة ورجلا، أن أحصل على الكثير من الأصدقاء وأن أستمتع بالوحدة أيضا، أن أشتغل بنَهم وأكتب كتبا جيدة وأسافر، أستمتع، أكون أنانية ومعطاءة في ذات الوقت، أتَرى؟ ليس سهلا أن أحصل على كلِّ ما أريد وحين لا أُوفَّق، فإن ذلك يدفعني إلى الجنون.

سيمون دي بوفوار

وُلدت سيمون دي بوفوار في 9 يناير عام 1908 في باريس، والداها هما جورج برتراند دي بوفوار وفرانسواز دي بوفوار.

عام 1925 نجحت سيمون في امتحانات البكالوريا في الفلسفة والرياضيات، بعدها حصلت على شهادة الدراسات العليا في الأدب اللاتيني والفرنسي، درست الفلسفة في السوربون وفي العام التالي حصلت على شهاداتٍ في الفلسفة العامة، تاريخ الفلسفة، المنطق واليونانية. بعد ذلك حازت شهاداتٍ في علم النفس وعلم الاجتماع والأخلاق عام 1928.

كانت سيمون أصغر من اجتاز أهمَّ امتحان للفلسفة في فرنسا سنة 1929، نجحت وتحصّلت على الدرجة الثانية، لتصبح أصغر معلمةٍ للفلسفة في فرنسا.
في السنة نفسِها التقت دي بوفوار بالفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر الذي كان الأول في الامتحان.

بدأت سيمون دي بوفوار حياتها المهنية كمعلمةٍ تدرّس الأدب والفلسفة.

سنة 1943 بعد ورود شكاوٍ تعلقت بالجانب الأخلاقي والجنسي لسيمون من أهالي الطلاب مُنعت من التدريس وانتهت مسيرتُها كمعلمة.

رحلة سيمون دي بوفوار الأدبية:

كتبت رواية “جاءت لتبقى” بين سنتَيْ 1935-1937 ونشرتها عام 1943. كانت الرواية بمثابة يوميات سجلت فيها سيمون كل ماحدث معها خلال تلك السنوات بين الكتابة، المسرح، الصداقة وعلاقتها بسارتر.

كما كتبت العديد من الكتب والمقالات والروايات والقصص القصيرة أهمها كتاب المثقفون والجنس الآخر الذي يعتبر أفضل أعمالها الفلسفية، وحتى الآن يعتبر مرجعًا تأسيسيًّا للنسوية المعاصرة.

إن الإنسانية في عرف الرجل شيء مذكر فهو يعتبر نفسه ممثّلَ الجنس الإنساني الحقيقي، أما المرأة فهي تمثل الجنس الآخر.

حصلت سيمون على أعلى جائزة أدبيةٍ لها من فرنسا “غونكورت” سنة 1954 عن كتاب المثقفون.

سارتر وسيمون دي بوفوار حب “ضروري”، بجانب علاقات عابرة. ليس هناك ما هو أكثر حرية؟

مثل أبيلار هيلواز دُفنا في قبر مشترك، ارتبط اسماهما معاً إلى الأبد. كانا زوجين من أزواج العالم الأسطوريين. لا يمكننا أن نفكر بأحد منهما من دون التفكير بالآخر: سيمون دو بوفوار وجان بول سارتر.

هازل رولي

كنتُ أعاني الكآبة بسبب قبحي، وهذا ما جعلني أتألَّم. كان عليَّ أن أحرر نفسي تمامًا، لأن ذلك ضعفٌ، ينبغي على أي شخص يعرف قوّتَه أن يكون فرحًا، وأنا أدعو ذلك صحة معنوية؛ لأنه حين يكون أحدهم في صحة جسدية ممتازة، فهو يشعر بالقوة الكافية لثني أعمدة مصابيح الشارع بيدٍ واحدة.

جان بول سارتر

بدا لي عقله جبارًا على نحوٍ مميز، إني معجبة به وأشعر أيضًا بالامتنان الكبير للطريقة السخية التي قدم بها نفسه.

سيمون دي بوفوار

ما جمع سيمون وسارتر لم يكن فقط قصّةَ حبٍّ، هي صداقة فكرية جعلت سيمون تكتشف العالم من جديد، مع مرور الوقت أصبحت مبهورة بأفكار سارتر عن المرأة، الفلسفة الوجودية والحياة، هذا التقارب الفكري وانجذاب سيمون إلى عالم سارتر كان البداية لعلاقة فكرية، روحية وجسدية بين رمزين أبيّين لا ينفصل أحدهما عن الآخر، دون حتمية. بعيدا عن روتين العلاقات والزواج، لم يفكر الاثنان مطلقا بهذا الأمر خاصة سارتر الذي كان يمقت الفكرة. فالزواج كان تأطيرا لحياته يربطه بقيود تؤثر فيما سيعيشه وتلغي فكرة الوجودية المؤمن بها والتي تدعو إلى التحرر من كل القيود المتوارثة والقيم الأخلاقية.

سيمون كانت المرأة التي يبحث عنها سارتر. هي فقط من استطاعت أن تندمج مع كل أفكاره وممارساته وتعدد علاقاته العاطفية وتشيح النظر عن قائمة نسائه الطويلة. سارتر الذي كان يهرب من قبحه ببحثه عن النساء الجميلات يقول: لدي شهية سحرية للجمال، كانت كلماته السحرية تجمع حوله المزيد من الجميلات، فكلَّما هاجمه شبح الملل والاكتئاب كان يبدأ في البحث عن فتاه جديدة. عندما يسأله صديقه أوليفر تود كيف يتعامل مع نسائه، يجيب مؤلف “أكذب عليهنّ، إنه أسهل وأكثر لطفًا” “حتى على القندس-سيمون-“، “خاصة على القندس.” يقول سارتر.

لكن كيف نفسر برود سيمون مع ما حدث؟ كيف تقبلت نساءَ سارتر؟ هل بالفعل لم يؤثّر عليها الأمر؟ أم أنها كانت أقوى من أن تظهر ضعفها لسارتر فاختارت الاختباءَ وراء قصص وعشاق مؤقتين حتى أنها كانت في علاقة مع نساء وطالبة لها. تقول “غالبا ما أعجب بي النساء وهذا يحدث نادرا مع الرجال“.

سيمون استفادت من سارتر فكريا، فكل الدراسات الأخيرة لأعمالها تركزت على تأثير سارتر في شكل دراسات في الفلسفة الوجودية والسير الذاتية. النخبة المثقفة المحيطة بسارتر والتي بدورها أحاطت بسيمون فيما بعد شكلت نقاطا مهمة في حياتها، ولا يمكن أن ننسى دوره كذلك في انضمامها للحقل السياسي وسفرها معه لتقابل أشهر قادة العالم وقتها.

مسألة انفصال هذا الثنائي كانت مستحيلة. لن تدخل سيمون في مواجهات وصراع مع سارتر بسبب عشيقاته، فالكل كان يعلم مدى استفادتها منه فكريا وأدبيا، خاصة مع بروز دورها في مجتمع المثقفين.

هكذا دامت هذه العلاقة وكسبت شهرة في الأوساط الأدبية والفنية، نقول ربما أن سيمون مع مرور الوقت أصبحت كمن يجلد نفسه، في سبيل أن تنهي الصراع الذي كانت تخوضه في علاقتها مع سارتر بين ما تعنيه له وما يعنيه لها. عن تعقّد العلاقة بينهما تقول سيمون : “الحقيقة أنني كنت منفصلة عن سارتر بالقدر الذي كنت ألتحم فيه مع هذه الشخصية. كانت علاقتُنا جدلية. أحياناً كنت أشعر بأنني على مسافة لا معقولة منه، وفي أحيان أخرى كنت أشعر كأنني النصف الذي يكمل النصف الآخر. أخذت منه وأخذ مني، وبالتأكيد لم أكن تابعة لـه.”

سيمون التي أعلنت أنها مهما تعدّدت كتبها وجوائزها الأدبية، مهما كان دورها في الحركة النسائية أو كسفيرة فكرية تدافع حركات التحرر، فإن أعظم إنجاز لها في الحياة كان علاقتها بسارتر.

في الأخير، وبعد مرضه كانت سيمون رفيقته في سنواته الاخيرة، بعد إصابته بالسكري وفقدانه لبصره كانت هي من تقرأ له واستمرت نقاشاتهما وحواراتهما الفكرية الفلسفية كما كانت خلال أيامهما الأولى حتى آخر يوم له، 15 أبريل 1980 كانت نهاية علاقة نصف قرن.

طيلة 51 عامًا، سواء كانا يعيشان بالقرب من بعضهما البعض أو منفصلين، هذه العلاقة خلقت أفكارًا وكتبا ومشاعرَ متناقضةً وقدمت صورة لعلاقة في صورة عصرية بعيدا عن ما كان شائعا في ذلك الوقت، كانت علاقة حب وجودية.

نعم أزفت* اللحظة لأقول: أبدًا، أبدًا لن أحظى برجل.. الشيء الوحيد المهم الذي يمكن أن يحدث الآن هو إما أن أرى سارتر ميتًا، وإما أن أموت قبله. أحيانًا أرغب في إنهاء ذلك كله بسرعة لكي أقلص رعب الانتظار.

ستّ سنوات بعد وفاة سارتر توفيت سيمون ودُفنت في باريس بجانبه.

المراجع: -كتاب سيمون وسارتر وجها لوجه، هازل رولي.

*زَفَتَ الْحَديثَ في أُذُنِهِ : أَفْرَغَهُ ، أَلْقاهُ فيها. (قاموس المعاني).

تدقيق لغوي: كرنيف ربيحة.

كاتب

الصورة الافتراضية
Asma Abadlia
المقالات: 0