بقلم: أوستين كلاين.
لقد كان ألبير كامو الجزائري-الفرنسي الجنسية روائيّا وصحفيّا، وتعتبر أعمالُه الأدبية واحدة من أهم مصادر الفكر الوجودي المعاصر. وقد كانت فكرةُ أن الحياة البشرية، من وجهة نظرٍ موضوعية، عديمةُ المعنى واحدةً من أهمّ الأفكار في كتابات كامو. هذا الشيء أدّى إلى عبثية لا يمكن تجاوزها إلا عن طريق الالتزام بنوعٍ من الاستقامة الأخلاقية أو التماسك الاجتماعي. على الرغم من أنّه ليس فيلسوفًا بالمعنى الدّقيق للكلمة، إلّا أنّه قام بالتعبير عن فلسفته الخاصة في رواياته ويُعتبر بصورة عامة كفيلسوف وجودي. فوفقًا له: العبث ناتج عن صراعٍ. صراع بين رغبتنا بعالمٍ عادل ومنطقي، وبين العالم الواقعي غير المبالي برغباتنا.
إن موضوع الصراع بين رغبتنا للمنطقية وبين تجربتنا للا منطقي يلعب دورًا مهمًّا في الكثير من الكتابات الوجودية. ففي كتابات كيركغارد على سبيل المثال أنتج هذا الشيء معضلة، يحتاج الشخص إلى أن يقوم بوثبة من الإيمان لتجاوزها، هذه الوثبة هي عملية تنازل واعية عن أي مطالبَة بواقعٍ منطقيٍّ وقبول غير محدود للا منطقية في أفكارنا المهمة.
وضّح كامو مشكلة العبثية عن طريق قصة بروميثيوس، حيث قام بكتابة مقالةٍ بطول كتاب بعنوان “أسطورة سيزيف” مبنية على هذه القصة. سيزيف مدانٌ من قِبل الآلهة، يقوم بشكل متواصل ودون انقطاع بدحرجة صخرة إلى أعلى التل فقط لكي يشاهدها تتدحرج إلى الأسفل من جديد. هذا الكفاح يبدوا عقيما وعبثيا لأنّ لا شيء يمكن أن يُحقَّق عن طريقه لكنّ سيزيف يكافح على أيِّ حال.
يقوم كامو بتناول هذا الشيء في كتابه الشهير الآخر، الغريب، وفيه يقوم شخصٌ بتقبّل لا منطقية الحياة وغياب هدفٍ محدد عن طريق تجنب القيام بأيِّ حكم عن طريق تقبّل حتى أسوأ الأشخاص كأصدقاء، وعدم الاهتمام حتى عندما توفت والدته أو عندما قام هو بقتل شخصٍ ما.
كلا هاتين الشخصيّتين توفّران مثالًا عن القبول الرّواقي لأسوأ الظّروف في الحياة، لكن فلسفة كامو فلسفةٌ وجوديّةٌ وليست بفلسفة رواقية. إن سيزيف يحتقر الآلهة ويتحدى سعيها لكسر إرادته: إنه ثائر يرفض أن يتراجع. فحتى البطل المضاد في “الغريب” يثابر على الرغم مما يحدث، وعندما يواجه الإعدام يستقبل عبثية هذا العالم بخنوع تام.
في الواقع, اعتقد كامو أننا يمكن أن نتجاوز عبثية هذا الكون من خلال عملية خلقِ قيمةٍ ما عن طريق الثورة، قيمة يمكنها أن تعطي معنى لكل البشر. يمكن تحقيق عملية خلق القيمة، على أي حال، عن طريق الالتزام بهذه القيمة، سواء شخصيا أو اجتماعيا. لقد آمن الكثير أن هذه القيمة أو الهدف يجب أن توجد في سياق الدين، لكن ألبير كامو يرفض الدينَ على اعتباره ضربًا من الجبن والانتحار الفلسفي.
إن السبب الرئيسي الذي دفع كامو لكي يرفض الدين يرجع إلى كونه في العادة يوفر نوعا من الجواب الوهمي للطبيعة العبثية للواقع، وفي الواقع فالمنطق البشري يتناسب بشكل سيء مع الواقع الذي نعيشه. نعم، قام كامو برفض كل المحاولات لتجاوز العبث، حتى الحلول الوجودية، مثل وثبة الإيمان لكيركغارد. ولأجل هذا السبب فتصنيف كامو كوجوديّ كان دائما شائكا نوعاً ما. في أسطورة سيزيف قام كامو بالفصل بين الكُتّاب الوجوديين والعبثيين وقد اعتبر العبثيين أعلى من سابقيهم.
المصدر: هنا
تدقيق لغوي: كرنيف ربيحة.