يُعدّ تغيّر المناخ من القضايا الرئيسية التي تواجه العالم اليوم ويشير هذا المصطلح إلى التحولات المعقدة التي تؤثر الآن على أنظمة الطقس والمناخ في كوكبنا. لكن بعض الناس يعتقدون أنه “خدعة” حتى بعض الشخصيات العامة والمشهورة، فيما يعتقد آخرون أنّه موجود لكن ليس بدرجة الخطورة التي يصرّح بها علماء المناخ.
إن فرضية تغير المناخ الذي يسبّبه الإنسان تعكس ببساطة إجماعًا علميًا. يبدو أن ميزان الأدلة كما حكمت عليه الغالبية العظمى من الخبراء في هذا المجال، هو أن النشاط البشري قد تسبب في تغير المناخ، ولو استمرّ الحال دون رقابة فإنه سوف يتسبب في مزيد من التغيرات. ما سيكون كارثيا على الحياة على الأرض فهذا ليس مسألة إيمان أو إنكار للقضية بل مسألة تراكم البيانات وتحليلها وتأثرنا المباشر بها، في هذه المقالة سنعطي بعض الأمثلة الواقعية.
الفرق بين التغير المناخي والاحتباس الحراري:
لا يشمل تغير المناخ ارتفاع متوسط درجات الحرارة الكبيرة والمفاجئة، كموجة الحرارة التي ضربت أجزاءً متعدّدةً من شمال إفريقيا والشرق الأوسط في صيف 2018 ومنها الجزائر والتي تخطت 50 درجة، فهذا يعتبر احتباسا حراريّا (الاحترار العالمي) لأن هناك تزامنا في عدد موجات الحرارة القاسية في مختلف بلدان شمال خط الاستواء، وارتفاعًا في ترددها وقسوتها. (1)
يشمل التغير المناخي الذوبان السّريع للأنهار الجليدية الجبلية والألواح الجليدية التي تغطي غرب أنتاركتيكا وغرينلاند والجليد البحري في القطب الشمالي.
حيث يساهم جزءٌ كبير من هذا الجليد الذائب في ارتفاع مستوى سطح البحر بنسبة (3.2 ملم) سنويًّا، ويحدث الارتفاع بمعدل أسرع في السنوات الأخيرة. (2)
علاقة نسبة تساقط الأمطار بالتغير المناخي:
زاد هطول الأمطار (والثلوج) في جميع أنحاء العالم في المتوسط. ومع ذلك تعاني بعض المناطق من جفاف شديد، مما يزيد من خطر حرائق الغابات كالحرائق الضخمة والمروعة التي أصابت اليونان والولايات المتحدة الأمريكية (حرائق كاليفورنيا) وفقدان المحاصيل، ونقص مياه الشرب عبر عدة مشاكل بيئية كتملّح الأنهار بسبب ارتفاع مستوى البحر كنهر ليك (Lek) الهولندي فرع المد والجزر في دلتا نهر الراين، (3) أو تأثير التغير المناخي على توافر المياه في الأنهار كحوض نهر زارين والتدفق إلى سد بوكان بإيران، (4) وزيادة تكلفة تحلية المياه على كل الدول حيث يزيد الإنفاق العالمي المجمع (النفقات الرأسمالية والتشغيلية) حتى عام 2030 على أنظمة المياه والطاقة والأراضي من 92٪ إلى 125٪ في سيناريوهات أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة (SDGs)، وهذا ما يؤكده تقييم السياسات متعددة القطاعات على أهمية الحفاظ على المياه والتخطيط المتكامل للمياه والطاقة لتفادي التكاليف من التفاعل بين أهداف المياه والطاقة والمناخ. (5)
في بيان المنظمة العالمية للأرصاد الجوية عن حالة المناخ العالمي في 2018 في عددها الخامس والعشرين، يسلط الضوء على ارتفاع قياسي في مستوى سطح البحر، فضلاً عن ارتفاع درجات الحرارة في البر والبحر بشكل غير عادي طوال الأربع سنوات الماضية. وهذا الاستمرار الاحتراري مستمر منذ بداية هذا القرن، ويُتوقّع أن يستمر في المستقبل. (6)
يتسبب الجفاف والفيضانات في مختلف أجزاء العالم في هجرات بشرية ضخمة، حيث كشف تقرير صادر في جانفي 2019 عن مكتب محاسبة الحكومة الأمريكية أن وزارة الخارجية وغيرها من وكالات المعونة الأجنبية لم تفعل ما يكفي لمكافحة الهجرة الناجمة عن تغير المناخ في البلدان النامية، وسلّطت الضوء على بنغلاديش باعتبارها عرضة للخطر بشكل خاص. وأن التغير المناخي يدفع هجرة ما يصل إلى 200 مليون شخص حول العالم بحلول عام 2050. (7)
يؤثر التغير المناخي أيضا على النباتات والأراضي الزراعية، من المتوقع أن تتغير النباتات. المحاصيل التي ازدهرت مرة واحدة كعنصر أساسي في منطقة واحدة قد لا تكون وفيرة بما يكفي لإطعام المجتمع الذي كان يعتمد عليها في السابق. وهناك أيضًا مسألة كيفية نموها. تشير الدلائل إلى أن النباتات التي تزرع في وجود مستويات عالية من ثاني أكسيد الكربون ليست مغذيّة.
على سبيل المثال، أظهرت التجارب أن ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون في الهواء يؤدي إلى انخفاض مستويات الزنك والحديد في القمح والأرز والشعير والمحاصيل ذات الصلة. هذا الأمر مهم لأن نقص الزنك والحديد يرتبط بالعديد من المشكلات الصحية. وهذا ما اكتشفه مؤخرا باحثو جامعة ستانفورد. (8)
تأثير ثاني أكسيد الكربون في حدة التغير المناخي:
عند الحديث عن ثاني أكسيد الكربون 2CO يتبادر إلى أذهاننا التلوّث. الفرق بين تلوث الهواء والاحتباس الحراري وعلاقتهما بالتغير المناخي تكمن في أن الأول محلّيٌّ ومسألةَ صحّة عامة في الأساس، في حين أن الثاني عالمي ويشكِّل خطرًا أعمّ وليس على الصحة الشخصية والمجتمعية فحسب. ولكن توجد أدلة دامغة على أن جسيمات الهباء الجوي نفسها وثاني أكسيد الكبريت والأوزون التي تلعب دورًا رئيسيًّا في التأثير على صحة الفرد تؤثِّر أيضًا على توازن إشعاع الأرض، ويمكننا الآن أن نرى أنه يوجد في الواقع أكثر من ارتباط سطحي بين هذين المجالين؛ إذ إن انبعاثات الملوثات في صورة غاز الميثان وأكسيد النيتروز وأكسيد النيتريك والكربون الأسود (السخام) ومركبات الكلوروفلوروكربون تشارك جميعها في عملية تغيير المناخ. (9)
كل هذه التغييرات آخذةٌ في الظهور مع استمرار البشر في إضافة غازات الدفيئة المسببة للحرارة إلى الجو، والتغير المناخي هو عملية لا خطية، بمعنى أن تطور الأحداث يتصاعد بأنماط متسارعة، تلك التغيرات التي احتاجت إلى عشر سنوات كي تحدث يمكن أن تتضاعف في سنة واحدة تالية.
تأثير الدفيئة (المصدر: الإدارة الوطنية لدراسة المحيطات والغلاف الجوي، قسم علم المناخ القديم http://www.ncdc.noaa.gov/paleo/globalwarming/what.html).
(١) يمر بعض الإشعاع الشمسي عبر الغلاف الجوي ويرفع درجة حرارة سطح الأرض. (٢) ينعكس بعض من الإشعاع الشمسي إلى الفضاء مرة أخرى. (٣) تنبعث الأشعة تحت الحمراء (موجات الحرارة) من سطح الأرض الساخن نحو الفضاء. (٤) بعض الأشعة تحت الحمراء يمر عبر الغلاف الجوي، وبعضها تمتصه غازات الدفيئة. (٥) يعاد إرسال بعض من الطاقة التي تمتصها غازات الدفيئة إلى الأرض مرة أخرى وترفع درجة حرارة الطبقة السفلى من الغلاف الجوي والسطح (المصدر: الإدارة الوطنية لدراسة المحيطات والغلاف الجوي، قسم علم المناخ القديم).
المصادر:
2)https://www.nationalgeographic.com/environment/global-warming/global-warming-effects
3)https://www.mdpi.com/2225-1154/7/4/49
4)https://www.mdpi.com/2225-1154/7/4/51
5)https://iopscience.iop.org/article/10.1088/1748-9326/aaf2a3
7)https://www.gao.gov/assets/700/696460.pdf
8)https://news.stanford.edu/2019/03/19/climate-change-hunger/
9) التغير المناخي أي طريق نسلك: روبرت إل روثستاين ودانيال دي بيرلمتر، ترجمة أحمد شكل.ص77-81
تدقيق لغوي: كرنيف ربيحة
[…] مستويات البحر قد ارتفعت حوالي 20 سم، وهذا الارتفاع في منسوب مياه البحر يمكنه أن يهدد وجود […]