تكاثفت تحذيرات العلماء حول تغير المناخ خلال 12 شهرا الماضية، فهل سيصغي قادة العالم هذه المرة؟
منذ عام مضى، كان من الصعب على المنظمة العالمية أن تتوقع أن المراهقة السويدية غريتا ثامبرج ستكون واحدة من أعظم حلفائها بعد أن كانت بداياتها عبارة عن مظاهرات أسبوعية في مدرستها بشأن التغيّر المناخي، وقد استعملت هذه الصغيرة ذات 16 عاما قاعدتها الجماهيرية وحضورها القوي على وسائل الإعلام الاجتماعية بمهارة من أجل تسريع اتخاذ قرار عالمي للتقليل من انبعاثات غاز الكربون.
وقد غردت غريتا مؤخراً قائلة “نفس الرسالة مجدداً ومجدداً، نفس الرسالة مراراً و تكراراً”. “أنصتوا
للعلماء، أنصتوا للعلماء، أنصتوا للعلماء”. حسناً، ماذا قال العلماء طبعاً؟ الجواب هو أنهم حذروا من تأثيرات عالمية خطيرة عن تغير المناخ لأكثر من ثلاثة عقود، لكن هذه التحذيرات تضاعفت على مدى الشهور 12 الماضية.
إن التقارير التي تتناول بالتفصيل العواقب البيئية، الاقتصادية والإنسانية الهائلة المترتبة عن الاحتباس الحراري غير المقيد جاءت بوتيرة سريعة وهي في مجموعها أكثر تخويفاً من مجموع أجزائها.
بدأ إصدار تقريرٍ خاصٍّ من طرف هيئة الأمم المتحدة للعلوم المناخية والفريق القومي الدولي للتغير المناخي، حول التأثير الذي يمكن أن تحدثه زيادة درجة الحرارة العالمية. وقد قامت ثلاث مجموعات عمل دولية تابعة لهيئة الأمم المتحدة للعلوم المناخية بفحص 6000 دراسة علمية ودعت إلى البدأ في خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على الصعيد العالمي قبل عام 2030 لتجنب أشد عواقب الاحتباس الحراري حدّة، وقد تضمّن التقرير أنه من المرجح أن ترتفع نسبة الاحتباس الحراري العامّي بين عامي 2030 و2052 إذا استمر في الارتفاع بالمعدل الحالي.
أحدث إصدار هذا التقرير لحظة “اختراق” لدى الوعي العام والتغطية الصحفية بعدد لامتناهٍ من الأصوات والعناوين الرئيسية وصور تحذر من مهلة “12 عاماً” لتجنب كارثة التغير المناخي. شعار الإثني عشر عاماً كان مثيراً للقلق أكثر حتى من التحذيرات القوية لهيئة الأمم المتحدة حول التغيرالمناخي. إن العالم لن ينهار مع حلول عام 2030 ولكن التأجيل في اتخاذ قرارات عالمية كبرى سوف يجعل الانتقال إلى عالم منخفض الكربون صعباً.
في شهر نوفمبر، عزز التقييم الرابع للمناخ للولايات المتحدة الأمريكية والذي أعدّه حكوميون وخبراء خارجيون رسالة تقرير فريق الأمم المتحدة الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ. وقد حذر التقرير من أن تغير المناخ يخلق مخاطر جديدة ويزيد من نقاط الضعف الموجودة في المجتمعات في جميع أنحاء الولايات المتحدة. مما يطرح تحديات متزايدة لصحة الإنسان وسلامته ونوعية الحياة ومعدل النمو الاقتصادي، حيث إن محاولة إدارة ترامب لتقليل التغطية الإعلامية لبطاقة تقرير المناخ في أمريكا من خلال إصدارها يوم الجمعة الأسود, وهو اليوم الذي أعقب عيد الشكر، جاءت بنتائج عكسية حيث حصل التقرير الصادر بتكليفٍ من الكونغرس على تغطية مزدوجة كقصة بيئية وسياسية.
الأخبار المريعة لم تتلاشَ مع إقتراب 2018 من نهايتها. قال تقرير صدر في ديسمبر عن منظمة الصحة العالمية أن الانبعاثات الناتجة عن الكهرباء الأحفورية، النقل ومصادر أخرى هي مساهمٌ رئيسيّ في تلوث الهواء المدمر للصحة والذي يقتل كل عام أكثر من سبعة ملايين شخص. الأحداث المناخية القاسية المرتبطة بتغير المناخ الناتج عن الإنسان خطرٌ واضح وحاضر على الأمن الصحي.
في الوقت الذي أصبحت فيه الآثار المستقبلية للتغير المناخي أكثر وضوحاً، تلقينا أيضا أخباراً مؤكدة عن الحاضر. في ديسمبر الماضي، سلط مشروع الكربون العالمي الضوء على أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في جميع أنحاء العالم بلغت أعلى مستوى لها على الإطلاق عام 2018 حيث قدر تقرير إدارة المعلومات للطاقة الأمريكية الصادر في جانفي 2019 زيادةً بحوالي 3 بالمائة بعد ثلاث سنوات من الركود. ووفقاً لتقديرات تقييم الأثر البيئي فإن إجمالي الانبعاثات في الولايات المتحدة الأمريكية سوف ينخفض في عام 2019، ويبدو أن هذا التوقع بدأ يتراجع بسبب انخفاض استهلاك الفحم. يقول روب جاكسون من جامعة ستانفورد، رئيس لجنة التوجيه العلمي لمشروع الكربون العالمي، أن إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم ستشهد ارتفاعاً مرة أخرى في عام 2019.
قد دقّ ناقوس خطر تأثيرات تغير المناخ في القطب الشمالي طيلة العام. في أبريل، كشفت دراسة موّلتها وكالة ناسا للطبقة الجليدية في غرينلاند، والتي نشرت على الإنترنت في يوم الارض، أن المقدار الكبير للجليد الذي تم تصريفه في المحيط من الأنهار الجليدية في أكبر جزيرة في العالم قد زاد ستة أضعاف منذ الثمانينات. وفي الوقت نفسه، ارتفع مستوى سطح البحر بحوالي 14 ملم منذ عام 1972.
نشرت جامعة ستانفورد دراسة، التي قلّما تنشر، أنه من المرجح أن يؤدي الاحتباس الحراري الناتج عن استخدام الوقود الأحفوري إلى تفاقم التفاوت الإقتصادي العالمي على مدى السنوات الخمسين الماضية، وقد وجد مؤلفو الدراسة أن الإحتباس الحراري قد عزز على الأرجح النمو الإقتصادي في البلدان الأكثر برودة والأكثر ثراءً بينما يضعف النمو الإقتصادي في البلدان الأكثر سخونة والأكثر فقراً.
في شهر ماي، قُدّم تقرير هام للتنوع البيولوجي للأمم المتحدة إحصاءات صارمة أخرى: هناك مليون نوع من الحيوانات والنباتات على الأرض مهددة بالانقراض، وأن معدلات الانقراض تتسارع، وقدم التقرير تقييماً لكيفية تغير المناخ والتنمية الاقتصادية العالمية خلال الخمسين سنة الماضية التي أثرت على الطبيعة وهددت صحة النظم الإكولوجية المهمة للإنسان وجميع الأنواع الأخرى. إن الأسس البحثية التي يقوم عليها التقرير قوية حيث تم مراجعة منهجية لحوالي 15000 مصدر علمي وحكومي تشمل أيضاً المعرفة الأصلية والمحلية.
في شهر أوت، وفي أعقاب موجات الحر العالمية التي بلغت أرقاماً قياسية. من كوريا الجنوبية إلى شمال النرويج، وجّه تقرير آخر كبير صادر من الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ الإنتباه إلى التهديدات المرتبطة بتغير المناخ، وقد وجد أن تغير المناخ بما في ذلك الزيادات في وتيرة وكثافة الظواهر القاسية قد أثر سلبا على الأمن الغذائي والنظم الإيكولوجية الأرضية، كما أسهم في التصحر وتدهور الأراضي في العديد من مناطق العالم وأوصى التقرير بممارسات التنمية المستدامة للأراضي والتكيف من أجل مكافحة المزيد من التدمير.
جلبت قمة الأم المتحدة للعمل المناخي التي إنعقدت في 23 سبتمبر في نيويورك تقارير مناخية إضافية. في 22 سبتمبر، أصدرت المجموعة الإستشارية العلمية لقمة الأمم المتحدة تقرير متحدون في العلوم، و هو تأليف طموح يربط النقاط بين أحدث علم موثوق به والإجراءات الملموسة من أجل وقف أسوء آثار تغيّر المناخ. كما أصدرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ تقريراً بعد هذه القمة يحدّد التغييرات العميقة الجارية في محيطات الأرض والمناطق المتجمدة، بما في ذلك الأنهار والصفائح الجليدية. وقد خلص التقرير إلى أن ارتفاع درجة حرارة المحيطات وذوبان الجليد وارتفاع منسوب مياه البحر يؤثر بالفعل على كل شيء بدءاً من الشعاب المرجانية على ما يقارب 10 بالمائة من سكان العالم الذين يعيشون في المناطق الساحلية المنخفضة، وأن الآثار السلبية ستزداد سوءاً إلى حدّ كبير في المستقبل.
غطى تقرير المحيطات 12 شهراً من الأدلة العلمية على مخاطر تغير المناخ العالمي، والرسالة الثابتة هنا هي أن الضرر الشديد الناتج عن تغير المناخ قد أصبح جارياً بالفعل، وستكون بعض التأثيرات طويلة الأمد أو لا رجعة فيها. إن الضرر سيلحق بالسكان الضعفاء على نحو غير مناسب، وسوف تتطلب مكافحة تغير المناخ تحولاً اقتصادياً واجتماعياً و تكنولوجياً غير مسبوق. ولكن التقارير تقول أنه من غير المحتمل منع أسوء اثار الإحتباس الحراري _بعد فوات الأوان_ من خلال إعتماد استراتيجيات فعالة للتكيف والتخفيف من اثار الاحتباس الحراري.
إذاً، إلى أين يقودنا هذا؟ أنا أزعم أننا _أكثر من أي شيء آخر قد غادرنا بإحساس شديد بالإلحاح وعدم اليقين بشأن مخاطر المناخ الحالية والقادمة. لسنوات عديدة، كانت تغطية تقارير علوم المناخ متوترة في المستقبل الضمني كما في أنها مشكلة لأحفادك . للأسف، جاء المستقبل أسرع مما توقعه العلم. والآن أصبح العالم في مواجهة واقع الظواهر الجوية القاسية المرتبطة بتغير المناخ بالإضافة إلى تهديدات أخرى. تُظهر حرائق الغابات المخيفة التي تتسابق حاليا في جنوب وشمال كاليفورنيا كيف يبدو هذا الواقع الجديد المرتبط بالمناخ بالنسبة للولاية الأكثر سكناً في البلاد.
إن مؤتمر الأمم المتحدة المقبل لتغير المناخ سوف يضغط مرة أخرى على مندوبي ما يقارب 200 دولة لتنفيذ إجراءات ملموسة بشأن الوعود التي تم التعهد بها بموجب إتفاقية باريس لعام 2015. إن النتائج الموضوعية والسياسية المحبطة التي أسفرت عنها قمة سبتمبر في نيويورك وخاصة عدم وجود التزامات أقوى من الدول المسؤولة عن انبعاثات غاز ثاني اكسيد الكربون مثل الصين، الهند والولايات المتحدة تعني أن التوقعات منخفضة. إن فراغ القيادة الذي خلفه الرئيس الامريكي ترامب بخطابه القوي المؤيد للوقود الأحفوري والخروج المخطط له من اتفاق باريس يزيد الأمر سوءاً.
ولكن لا تستخف بثبات غريتا ثامبرج وتزايد مظاهرات يوم الجمعة لحركة الشباب المستقبلية التي ألهمتها، فقد احتجّ ما يقارب 7,6 مليون شخص في أنحاء العالم خلال أسبوع المناخ في الأمم المتحدة في سبتمبر. يخطو منظمو الإضراب لتنظيم احتجاج عالمي كبير يوم الجمعة السوداء، موجه إلى صانعي القرار في مؤتمر الأطراف الـ25.
في خطابها العاطفي في قمة العمل المناخي للأمم المتحدة انتقدت قادة العالم لفشلهم في التحرك بشأن تغير المناخ، قالت أن العلم كان واضحاً لأكثر من 30 سنة، إذاً كيف تجرؤون على النظر في أمور أخرى وتأتون هنا اليوم تقولون أنكم تقومون بما فيه الكفاية فيما تزال الحلول والسياسات اللازمة بعيدة المنال.
وقد انتشرت عبارتها الشهيرة والغاضبة “كيف تجرؤون؟” على مواقع التواصل الإجتماعي وشاهد الملايين فيديو خطاب ثامبرج على اليوتيوب. ومن المرجّح أن تنقل هذه الناشطة الشابة رسالة قوية مماثلة إلى مؤتمر كوبنهاغن الخامس والعشرين وهو ما من شأنه أن يدفع القضية العلمية لاتخاذ إجراء حكومي كبير للمساعدة في حماية جيلها والآخرين في المستقبل.
فهل سيستمع قادة العالم في مؤتمر الأطراف الـ25؟ وماذا سيفعلون؟
المصدر: هنا
تدقيق لغوي: حفصة بوزكري