اعتُبرت قصيدة الكوليرا لنازك الملائكة منطلقا جديدا للقصيدة العربية ومنفذا للتجديد فيها وهذا بعدما اجتاح وباء الكوليرا مصر، هذا المرض الذي خلدت به القصيدة وأصبح عنوانا للتغيير في الشعر العربي.
اليوم أيضا وموازاةً مع جائحة الكورونا Covid -19 عادت رواية الطاعون لألبير كامو لتتصدر المشهد، هذا الوباء الذي تواجه البشرية بسببه أحلك أيامها، إذ غير الكثير من المفاهيم السائدة لدى البشرية في بدايته فهل سينتج عنه تغييرا شاملا في الرواية العالمية بوجه الخصوص ؟
لطالما واكبت الرواية في مسارها التاريخي كل مستجدات العالم وخصوصا في الأزمنة التي شهدت انتشارا للأوبئة، ودائما ما كان العالم يشهد طفرة أدبية بعد كل معضلةٍ، إذ أبدع كُتّاب العالم روايات تناقش كل قضايا البشرية ونزواتها، حاول فيها المبدعون تقصي كل ما هو مجهول في الأرض والعمل على استشراف المستقبل ومحاولة فهم الإنسان وطريقة تفكيره بغية الوصول إلى الكمال الإبداعي أو ما يمكن القول عنه نقطة الانطلاقة نحو أدب المستقبل، وذلك باستحداث مسابقات وجوائز محلية وعالمية لاستخراج أجود الأعمال الإبداعية في ما يخص الرواية كل عام وهذا لتمييز الأعمال التي يمكن للعالم أن يستند على عبقريتها لإحداث طفرة أدبية في المستقبل.
هذا ووجب التنويه أنه لطالما تبلورت الفنون الأدبية بسبب الأزمات التي يعيشها الإنسان، ويُرَجح هذا ربما لكونه يركن لتفكير في أخطائه وما ارتكبه من هفوات في حق الحياة والطبيعة، فالتفكير في خضم المعارك التي تقودها البشرية وتحت الضغط الرهيب من أجل نجاة الإنسان ينتج عنها دوما تغيير في الأنظمة الفكرية، السياسية والاقتصادية، وما نعيشه اليوم سيلقي بضلاله على كل المجالات ولن تستثنى الرواية من كل هذا.
الكورونا وبداية البداية ؟
لاشك أن طريقة تفكير العقل البشري ستتغير وسيظهر هذأ التغيير على أرض الواقع سواء في التحالفات السياسية أو تغيّر لخريطة العالم، مما سينعكس مباشرة على الرواية في العالم باعتبارها ماسيخلد تاريخ هذا الجيل بلمسة إبداعية، من المرجح أن يصبح الجنس والدين والسياسة وحتى الإنسان هامشا في الرواية المستقبلية ليفتح الأدباء دربا جديدا من السرد يشبه المتاهة والفوضى التي نعيشها في عصرنا من موت وخراب بسبب فيروسات فتاكة تجبر البشرية أجمع على المشاهدة بدهشة مع محاولات يعتريها اليأس للمقاومة في وجه الكائنات الدقيقة والمخبرية.
كل هذا التسارع الفوضوي في الأحداث التي تشهدها الأرض قد يؤدي إلى نتائج مذهلة في عالم الأدب وخاصة في فن الرواية. من المؤكد أن هذا الحدث الفيروسي سيترك علامته الفارقة في جسد السرد ومن المعلوم أن لهذا الأخير دورة دموية متجددة تسمح بالإبداع والتأقلم مع أي موضوع يتعرض له الإنسان في أي مكان من هذا العالم، بمعنى أن السرد المعروف متأقلم مع الأحداث الجزئية التي تعيشها الإنسانية ولكنه نادرا ما يتعرض لصدمة عالمية تفتك بالإنسان وفكره تدعوه من خلالها إلى إعادة ضبط خططه المستقبلية، وهذا له أثر بالغ على الفكر بطريقة مباشرة مما يستدعي التغيير في الكثير من الأشياء.
ضرورة مستوى جديد من الفكر:
ما سببه فيروس كورونا من صدمة للأنظمة العالمية سواء الصحية أو الاقتصادية وحتى الفكرية جعل الإنسان في سباق مع الزمن من أجل الانتقال إلى مرحلة جديدة هدفها التفوق على الفيروس من خلال إيجاد تدابير سريعة تسبقه قد تستغرق سنوات في الفترة العادية.
إن ما نعيشه اليوم هو تسريع لما سنصل له مستقبلا، يمكن القول عنها بأنها قفزة في الزمن خاصة بالنسبة للدول الفقيرة التي تسعى جاهدة لعدم تضييع الوقت وفي نفس الوقت محاربة هذا الوباء من خلال العمل عن بعد والتدريس من المنازل وغيرها من الأمور، كل هذا سياسهم في إحداث طفرة تخص فلسفة الحياة المعروفة مما سيبث للعقل البشري بأفكار جديدة يرصدها في أدبه كجزء من طموحاته التي يفكر في الوصول اليها كأهداف، اذ وبعد أن يمارس عملية التفكير وتصويرها في أدبه كجزء من الرغبة سيعمد إلى تحقيقها وإكتشافها، فالتفكير هو العملية القاعدية للتطور. ولكن لابد من طفرة تعصف بالنظام الفكري السابق من أجل القفز إلى مستوى أعلى من العقل. فبعد أن كانت زيارة الفضاء و المركبات الخاصة به طموح يخط في أوراق الكتب والروايات أصبح حقيقة بفعل الصراع البشري والحربين العالميتين، إذ لا بديل عن الصدمات من أجل التطور.
اليوم خرج الساسة و المفكرون فيما يشبه المواجهة الحاسمة التي ستغير ملامح العالم إذ يسعى المفكرون و العلماء إلى سحب عجلة القيادة من السياسين الذين أثبتوا فشلهم في قيادة العالم ولا شيء يوحد العالم ويصحح ما دمره السياسيون من غير الفكر و العلم
تدقيق لغوي: بشرى بوخالفي