إن فيروس (كورونا) اختبار. اختبار لقدرات قطاع الصحة ووعود الإرادات السياسية، إنه اختبار لمدى قدرة التحمل والصبر، اختبارٌ للمؤمنين ولقوة إيمانهم. إنّه اختبارٌ لمستوى آخر من الإيمان، ولقوة إستراتيجيات التفكير لدى الناس في اختيار ما يلائمهم انطلاقا من القواعد الفكرية والتوجهات السياسية إلى السلوك الاجتماعيّ.
لقد أجبر هذا الوباء كلّا منّا على طرح أسئلة عميقة حول الوجود البشري، عميقة للغاية! أسئلة طُرحت قبلاً من قِبل أعظم الفلاسفة القُدامى. إنه اختبار لموقف الإنسان حدود قدرته على التدخل لتغيير الوضع .
أين الصواب من الخطأ؟ ماذا ينتظر الأفراد من مجتمعاتهم وماذا ينتظر المجتمع منهم؟ هل يجب على الآخرين أن يُضحّوا من أجل المجتمع؟ أم العكس؟ أم أنّ محاربة الأمراض المميتة مرهونة بالتحكم في عتبة الاقتصاد من الانهيار؟
يظن الملازم محافظ (تكساس) أن الأشخاص الذين تفوق أعمارهم سبعين سنة يُشكّلون خطراً على الاقتصاد وأنهم سبب في انهياره. فـ”لا يجب عليهم وضع الاقتصاد على المحك”، بل العكس، عليهم أن يكونوا على أهبة الاستعداد للتضحية بأنفسهم.
و لقد تحوّل احتفالُ شابٍ ذي اثنين وعشرين عاما بحلول الرّبيع في فلوريدا إلى كومة من المشاعر المتناقضة وأثار موجة إعلامية عبّر من خلالها رفض “التّباعد الاجتماعي”، حين قال «إن كنتُ سأُصاب بالكورونا، فليكن !». عن وعي أو عن غير وعي ، يضع كلا الرجلين نفسيهما ضمن تقاليد أخلاقية مختلفة.
أبدت العديد من فلسفات العدالة الاجتماعية التزاما حكيما في العالم الحديث، وذلك بعدم الانحياز المباشر للأحزاب السياسية، بينما ينحاز معظم الأفراد ويتعاطفون مع أكثر من حزب واحد.
هنا دليل لبعض نُظم الأفكار الرائدة التي جاهدت من أجل الصواب والخطأ. فإذا خُيّرت، ماذا ستختار؟
مذهب (راولز)
إن العديد من الغربيين هم “راولزيون” دون أن يعرفوا ذلك. فمنذ خمسين سنة مضت، حاول فيلسوف جامعة (هارفارد) (جون راولز) أن يكتشف كيف سيبني الناس مجتمعهم إذا كان على الخيار أن يتم خلف ما سماه ب “حجاب الجهل”، حول إذا ما كانوا سيكونون أغنياء، فقراء، أو حالة تتوسط الأمرين. تحسبا لأسوأ الأحوال، افترض (راولز) أن الناس لن يطالبوا بالمساواة الكلية، لكن سيكونون بحاجة للتأكد من وجود ملامح الدولة المعاصرة الثرية. إن التأكد من توفر الضروريات الأساسية وفرصة لأداء أفضل، سيشكل حجر الأساس للعدالة الاجتماعية والسياسية، ويزود الناس بالقدرة على فرض أنفسهم.
يعدّ الكتاب البارز المنشور عام 1971 ل(راولز) “نظرية العدالة” أوضح تبرير أخلاقي وفكري للاقتصاديات الحديثة المختلطة ذات التيار اليساري. لكن الفكرة تأتي من مكان أعمق. لم يكن (راولز) متدينا، لكن فلسفته متصلة -بنحو أساسي- بالقاعدة الذهبية التي نقلها أنبياء العهد القديم والمسيح، وهي:”علينا أن نتعامل بالطريقة التي كنا سنود أن نُعامل بها”. وقد تعامل بعض القادة المتدينين مع معضلة (فيروس كورونا) المريعة كما كان (راولز) سيفعل، من خلال اعتبار علاج الناس الأسوأ حالاً كمعيار للسلوك الاجتماعي.
كتب (راوزل مور) -رئيس جمعية الأخلاق والحرية الدينية- في لقاء في صحيفة (النيويورك تايمز): “آمل أن الدروس التي سنأخذها من تجربتنا مع (COVID-19) لا تدور حول الطعام أو تجنب نشر الجراثيم، لكن عن كيفية تعاملنا مع الناس الأكثر ضعفاً بيننا، الجائحة ليست الوقت الذي نشيح فيه بأعيننا عن قدسية حياة الإنسان.”
كما دعا البابا (فرانسيس) إلى التعاطف مع الناس الأكثر تضرراً حيث أقام صلاة وحيداً في ساحة القديس (بطرس) الفارغة: “لقد أدركنا بأننا نواجه المشكلة ذاتها، جميعنا هشّون ومشوشون ولكن في الوقت نفسه مهمون وأساسيون، دعونا نقف جميعاً معاً جنبا إلى جنب، كل منا بحاجة لتهدئة الآخر”.
يميل غير المتدينين إلى تقبل منطق “حجاب الجهل”. إذا كان هنالك فرد لم يرغب بحجر نفسه، ليس من المسموح للحكومة بأن تتخلى عنه، عليها فعل أفضل ما بوسعها لحماية الجميع وخاصةً الأضعف.
المذهب النـّفعي
يعرض فلاسفة آخرون طرقاً مختلفة جداً في التعامل مع الجائحة، تحت مذهب المنفعة، معظمها متصل بفيلسوف القرن التاسع عشر البريطاني (جون ستيوارت ميل)، إذ يجب توجيه الحكام لما فيه السعادة التامة، أو المنفعة لكل الناس، ويجب أن يهدفوا إلى تأمين “أعلى درجة ممكنة من المنفعة لأكبر عدد ممكن من الناس”.
في بريطانيا الفكتورية، كان ذلك عقيدة (راديكالية)، وأول النفعيين كانوا ليبراليين طموحين. لكن مبادئ النفعية فتح الباب لاحتمال جديد، في حالات مثل الجائحة، يتم التضحية ببعض الناس بنحو مبرر للمنفعة الأكبر. سيكون من المفيد للمجتمع تقبل الحسابات، أي تخطي الخلاف لتقليل الضرر.
ولا يزال التفكير النفعي الصريح يبدو سلوكاً غير مقبول. في نهاية الأسبوع الماضي، ذكرت صحيفة (Sunday Times) البريطانية أن (دومينيك كومينغز) كبير مستشاري رئيس الوزراء (بوريس جونسون) كان قد أيد في اجتماعات خاصة، سياسة تسمح بإمراض عدد كافٍ من الناس في أنحاء البلاد لخلق “مناعة القطيع، ولحماية الاقتصاد، وإن كان ذلك يعني موت بعض المسنين، أمر سيء للغاية.” الأمر الذي قوبل بالاحتجاج والإنكار الفوري المتعاطف من قبل الشارع. وحتى (كومينغز) كمتمرد، رفض الانخراط في أفكار نفعية وحشية كهذه.
(جون ستيورات ميل) نفسه لم يكن ليؤيد وضع المال كأولوية على على حساب الحياة البشرية ، لكن حسابًا نفعيًّا كهذا ليس حول الموازنة بين المال والحياة. إذا كان الركود يمكن أن يقود إلى حياة أقصر وانتشار أوسع للبؤس، فيمكن لتقليل الجهود المبدولة لحماية كل حياة بشرية من الجائحة ، الآن، أن يؤدي إلى زيادة نسبة السعادة التامة.
وظّفت أوراق بحثيّة لأحد الأكاديميين في جامعة (بريستول) في المملكة المتحدة، تقنيات رياضيّة طُورت لقياس كلفة الفاعلية* لتدابير السلامة في صناعة الطاقة النووية لحساب نسبة النّجاة المحتملة للحياة البشرية عبر مقاربات مختلفة للفيروس، ووجد أن حجراً لمدّة 12 شهرا متبوعًا بلقاحات سيكون الأفضل. لكنه حذر أن هذا سيخلق شبكة إنقاذ .فحسب إذا تمّ حصر حدود منتجات المؤونة المنزلية بنسبة 6.4 % أو أقل.
نُشر المقال على الـ( BBC)، وقوبل باستجابة كبيرة من الاقتصاديين، بينما على العكس، اقترحت بعض البحوث أن فترات الركود تؤدي إلى إطالة الحياة. أدان معظم الناس مجرد محاولة التفكير في هذه الممارسة القاسية، لكن من الصعب تجاهلها. لاشكّ أن الحكومات وشركات التأمين تضعُ اعتباراً كبيراً لحياة الإنسان عندما تعتمد سياسة ما. هل يجب أن يحظى كل مريض بأقصى حد ممكن من الرعاية الصحية ، إذا كانت خطة العمل هذه ، ستتسبب بأضرار أكثر على المدى الطويل؟ أو كما قال الرئيس (دونالد ترامب): “لا يمكن أن يكون الدواء أسوء من الداء.”
من البديهي أن تتمّ رؤية المشكلات الأخلاقية عبر عدسة منفعية ثم تُستخلص مثل هذه النتيجة البغيضة، ورفضها لأنها تتعارض مع القاعدة الذهبية. أمّا إذا استمر الحجر لشهورٍ أخرى، فيمكن عندها للأفكار النفعية أن تطفو إلى السطح مرة أُخرى.
المذهب اللّيبراليّ التّحرّري
تعتبر مكانة الفلسفة اللّيبرالية (فلسفة الحرّية) عريقة ومميّزة، إذ يعود أصلها إلى الفيلسوف التنويري(جون لوك) والآباء المؤسّسين، ويستلهم تجسيدها الحديث من المؤلفة (آين راند) التي أوجزت أفكارها الرّئيسة في كتبها ومقالاتها. فبالنّسبة لها، يملك الإنسان حقّ “الحياة من أجل نفسه”، ولا يمكن” ربط السّعادة الفرديّة بأيّ شخص أو أشخاصٍ آخرين”.
أجريت أشهر تجربة فكريّة للمنظومة اللّيبرالية من طرف فيلسوف في (هارفارد)، (روبرت نوزيك)، في ردّه على (راولز). فقد تخيّل نوع الدّولة السياسية التي يمكن إنشاؤها، ومقدار الحرّية الفردية التي سيتنازل عنها المواطنون، إن كان الجميع سيخضع لمشهدٍ طوباويّ لا يلتزم بأيّ تنظيم اجتماعيّ.
قدّم الرّوائيّ (ويليام غولدينغ) إحدى الإجابات عن هذا في روايته “سيّد الذّباب”. فلتفادي التدهور نحو العنف الذي اضطرّ تحمّله التّلاميذ في رواية (غولدينغ)، يعتقد (نوزيك) في كتابه “الفوضى، الدّولة والمدينة الفاضلة ” أنّ النّاس سينشؤون لأنفسهم دولة محدودة تضمن أمنهم وحماية حقوقهم الفردية، فقط لا أكثر.
فقد وسّعت الاستجابة الغربيّة لفيروس (كورونا) سلطات الدّولة وضيّقت حدود الحقوق الفرديّة، في حين استجاب السّكان لأنواع من الحرمان، لم يكن ينبغي عليهم قبولها، كما جادل (راند) و(نوزيك).
ولكن، لحظة ! فقد كانت هناك اعتراضات ليبراليّة على عمليات الغلق والحجر، انتقدت هذا التّعدّي على الحقوق. انتقادات تظهر أنّ السّياسيين أصحاب القرار لم يثبتوا بعد ضرورة مثل هذه الإجراءات الصّارمة. فقبل تفشّي فيروس (كورونا)، عانت الولايات المتحدة من وباء الحصبة بسبب حركات مكافحة التّطعيم، وهي حركاتٌ خاضعة للمنطق اللّيبرالي، وضعت حقّ الآباء الذين اختاروا عدم تطعيم أبنائهم قبل حقّ الآباء الذين طعّموا أولادهم، والذين يتوقّعون أن لا يضطرّوا للاختلاط بأولئك، وأن تؤمّن لهم الدّولة ذلك.
توضّح المتاجرة بالخوف واحتكار المعدّات الطبية أنّ الكثير منقادين لفكرة (راند) حول الخلاص الفرديّ، وتقديم أنفسهم على أيّ شخصٍ آخر، ويمكن لهذه الأفكار أن تصبح أكثر إغراء بعد مرور بضعة أسابيع من الحجر الذّاتي.
وفي أماكن عامّة حول العالم، دخل الليبراليون في معارضة للدّولة، إذ تعجّ وسائل التواصل الاجتماعيّ بصور عن تجمّعات كبيرة، في أماكن فخمة غالبًا. ” إن كنتُ سأصاب ب(الكورونا)، فليكن”، هذا ما قاله شابّ ذو اثنين وعشرين في الفيديو، “ففي نهاية المطاف، لن أجعلها تعيقني عن الاحتفال”. بل إن حاكم ولاية (أوكلاهوما) شعر بالحاجة أن يغرّد على تويتر أنّه داخل مطعم مكتظّ.
اللّيبراليون ليسوا في الجانب اليمين المتطرّف فحسب، فمع بداية تكشّف الأزمة، صرّح “اتّحاد الحرّيات المدنية الأمريكية” أنه يقبل أن تفسح الحرّيات المدنيّة المجال “أحيانًا” حين يتعلّق الوضع بمحاربة مرضٍ معدٍ، ولكن فقط إذا كان هذا الوضع مبرّرًا علميّا. وقال “أنّه من الواضح أنّ حظر السّفر والحجر الصّحي ليس حلّا”، وقد أصبح حقّ التّجول في الحدائق يبدو حدثًا استثنائيّا.
وقد بدا حاكم (نيويورك)، (أندرو كومو)، غاضبًا من رؤية هذه الجموع في الحدائق العامّة تتعاطف مع الحركة اللّيبرالية، سواء وعوا بذلك أم لا. “إنّ هذه غطرسة”، يقول (كومو). “إنه تدمير للذّات، وقلّة احترام للآخرين. ولا بدّ أن يتوقّف كلّ هذا.. الآن !”
وقد تجنّد سكان (نيويورك) لإبقاء الحدائق متاحة. ففي هذا الوضع، أصبحت الخيارات الفردية في صدام مشحون مع المعاني الأخلاقية. فكيف ينبغي أن يحكم المجتمع على سلوك سيناتور (كنتاكي)، (راند بول)، الذي يبدو أبرز اللّيبراليين، والذي واصل حياته الاجتماعيّة الاعتياديّة بعدما قيل له أنّه كان على احتكاكٍ بشخص ثبتت إصابته بفيروس (كورونا)؛ هذا مع العلم أنّ الكثير من أعضاء مجلس الشّيوخ الأمريكيّ من كبار السّن. وفي نهاية الأسبوع الماضي، بعدما انتهى من حصّة تمارين في صالة الألعاب الرّياضية بمجلس الشّيوخ، اكتشف إصابته هو أيضًا.
مذهب التّكاتف الاجتماعيّ
“بينما هناك نهجٌ آخر يقوم على مفهوم التّكاتف، أنّ كلّ فردٍ يستمدّ هوّيته من المجتمع الأوسع. الحقوق الفرديّة تؤخذ بالاعتبار، نعم، لكن ليس خارج إطار معايير المجتمع”.
يعود أصل هذا المفهوم إلى اليونان، بينما ارتبط في العصر الحديث، بشكلٍ أوسع بكلٍّ من عالم الاجتماع (أمياتي إتزوني) والفيلسوف (مايكل ساندل). كان كتاب “اللّيبرالية وحدود العدالة” بمثابة ردٍّ آخر من (ساندل) على (راولز)، محتجّا أنّه لا يمكن تحديد العدالة في فراغ أو وراء “حجاب الجهل”، بل يجب أن تكون متأصّلة داخل المجتمع. في حين وضع (ساندل) نظريّة للعدالة قائمة على فكرة “الصّالح العام”.
وقال (ساندل)، في سياق مقابلته مع (طوماس فريدمان) -صحفيّ جريدة (النيويورك تايمز الأسبوع)- الأسبوع الماضيّ: “الصّالح العامّ هو أن نعيش سويّا كمجتمع، أن نسعى نحو مُثلٍ عليا سويّا، أن نتشارك المغانم والمغارم، أن يضحّي أحدنا من أجل الآخر، وأن نتعلّم سويّا كيف نحيا حياة لائقة.”
لقد هاجمنا الفيروس في هذه النّقطة تماما، حين حرمنا من العيش ضمن مجتمع. ولا تزال أفكار مذهب التكاتف الاجتماعيّ تعرض نفسها، ففي جميع أطراف أوروبا، يخرج الأفراد المنعزلون ذاتيّا إلى شرفاتهم للثّناء على أفراد المصالح الصّحية الوطنيّة وتحيّتهم؛ ولا يمكن أن يُرى هذا إلّا كركائز أساسيّة للحياة المجتمعيّة. وفي حفل الافتتاح الأولمبي في (لندن) عام 2012، الذي كان عرضًا للرّوح البريطانيّة، احتفى المنظّمون بمصالح الخدمة الصّحية الوطنيّة بتنظيم عرضٍ راقصٍ لممرّضات يجررن أسرّة مستشفيات. بالنّسبة لكثيرٍ من البلدان ذات مستوىً رفاهيّة حديث، يعتبر الاحتفاء بعمال قطاع الصّحة العامّة ودعمهم واجبًا مجتمعيّا.
وهذه نقطة الاختلاف الجوهريّة مع الولايات المتحدة الأمريكية، أين أصبحت قضيّة توسيع الرّعاية الطّبية مثيرة لجدلٍ كبير. ويجادل البروفيسور (مايكل والزر) في معهد الدّراسات المتقدّمة، مثل جميع أنصار مذهب التكاتف الاجتماعيّ، أنّ أيّ نظام من الأحكام الطّبية يفرض «تقييدًا لنقابة الأطبّاء». ويبدو أنّ فيروس (كورونا) يعدُ بتصعيد هذا الجدل.
يعمل مذهب التكاتف الاجتماعيّ على الحفاظ على الفكر المجتمعيّ**، فحين قال حاكم (تكساس)، الجمهوريّ المحافظ، في قناة (فوكس نيوز) أنّ على باقي البلاد ألا تضحّي بنفسها من أجل كبار السّن؛ كان يقدّم حجّة “مجتمعيّة” وليست “نفعيّة”.
“لم يتّصل بي أحدٌ ليقول: “هل أنت مستعدّ، كمواطن مسنّ، أن تتخلّى عن نجاتك مقابل أن تحافظ على أمريكا التي تريدها لأطفالك وأحفادك؟”، هذا ما قاله (باتريك) ذي الثلاثة وستين عاما للمضيف (تاكر كارلسون) ، “وإن كان هذا الخيار قائمًا، فإنّني أقبله بالتّأكيد”.
ففي هذا التّصريح، يصبح الانسحاب والتّخفيف على بلدهم وتسهيل حياة أحفادهم واجبًا قوميًّا للمسنّين، ولطالما كان لمثل هذه الأخلاق “المجتمعيّة” صدًى واسعا في الولايات المتحدة وأثارت موجة احتجاجٍ على وسائل التواصل الاجتماعيّ.
أما الصّين فقد مارست شكلًا مختلفا من فكر التّكاتف الاجتماعيّ بعد ظهور فايروس (كورونا) في مدينة (ووهان)، شهر جانفي الماضيّ، إذ طُلب من ساكني المدينة لزوم بيوتهم، وغالبًا ما تمّ حجرهم بشكل قسريّ، من أجل خير سائر المجتمع والأمّة. وهي ممارساتٌ تتطابق بشكلٍ كبير مع فكر الحزب الشّيوعي.
ففي عهد (شي جينبينغ)، تمّت إعادة تأهيل الحزب وفق الفكر (الكونفوشيوسي) الذي يبرّر الطّاعة المطلقة لدولة هرميّة استبداديّة، من أجل غايةٍ خيريّة. وهذا ما يبدو واضحا عند ملاحظة الانضباط الذي تعاملت به الصّين وباقي الدّول الآسيوية مع المشكلة.
إذن، فكلّنا (راولزيّون) الآن!
إلى الآن، يبدو أنّ النهج المعتمد في الغرب هو مذهب (راولز). فالسّياسيون يتحرّكون بافتراض أنّه يجب عليهم حماية الجميع كما كانوا يتمنّون أن تتمّ حمايتهم، بينما يطبّق النّاس تلك القاعدة الذّهبية حين قرّروا المكوث في بيوتهم بشكلٍ طوعيّ من أجل الآخرين. كلّنا (راولزيّون) الآن.
لكن، إلى متى سنبقى على هذه الحال؟ فجميع نظريّات العدالة الأخرى لها جاذبيتها، وقد تنجح في اختبار مواجهة القاعدة الذّهبية. لكنّن أشكّ أن ينجح كلّ من (راولز) وهذه القاعدة الذّهبية، ولعلّ ذلك يرجع جزئيّا إلى أنّ الفكر الدّيني قد شكّل وعينا، ولو كان في انحطاطٍ في الغرب. وبينما ينتشر الوباء وتنتقل العدوى في أصغر التّجمعات، فقد نجد أنّ فكرة “أحبّ جارك” مغرية للغاية.
الهوامش
* تشير كلفة الفعالية أو الكفاءة (أو التكلفة المثالية)، في مجال خوارزميات الحواسيب المتوازية، إلى قياس مدى فعالية الحوسبة المتوازية من أجل حل مشكلة معينة.
** يتمّ استعمال مصطلح “مجتمعيّ” في المقال للدّلالة على مذهب التكاتف الاجتماعيّ.
المقال الأصليّ: Bloomberg Opinion
ترجمة: سماح صلاح، أمينة بلعباس وأميرة بوسجيرة.
تدقيق لغويّ: سارة ريشان.