عن الكتاب:
عنوان الكتاب: حطب سراييفو.
اسم الكاتب: سعيد خطيبي.
نوع الكتاب: رواية.
اسم الناشر: منشورات ضفاف ومنشورات الاختلاف.
سنة النشر: الطبعة الثانية 2019.
عدد الصفحات: 327.
عن الكاتب:
سعيد خطيبي كاتب وصحفي جزائري، من مواليد 29 ديسمبر 1984، درس بالجزائر وأتمّ دراساته العليا في السوسيولوجيا في جامعة السوربون عام 2011، ويكتب باللغتين العربية والفرنسية. يشتغل في حقل الإعلام، كتب رواية “كتاب الخطايا”، 2013، “أربعون عاماً في انتظار إيزابيل”، 2016 التي حصلت على جائزة كتارا للرواية العربية، و“حطب سراييفو” 2019 التي تأهلت للقائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية 2020.
عن الكتاب:
اقتباسان، ص 246/308. حطب سراييفو.
حطب سراييفو.
الناجون من الطوفان.. في الجزائر والبلقان.
كشقيقين بعيدين في السّكنى، قريبين في الدم والخوف، بدت الجزائر والبلقان، في هذا العمل الأدبي. ومنذ اللحظات الأولى له، تبزغ بعض ملامح الشبه، في تنقلات المشاهد ما بين عروض نواطير الأرواح الذين بثوا أذرع الموت لتتخطف قلوب الجزائريين قبل أرواحهم، وما بين زرقة الحرب الباردة في البلقان.
ما أشبه المدن ببعضها البعض حين يخيم عليها شبح الموت، وعلى الرغم من أن حياة البشر هي سلسلة من النجاة المتعثرة أمام كل حفرة من حفر هذا الشبح، إلا أنهم وحتى حين تحول معيشتهم إلى موات عملي، يحنِّون دوماً إلى الحياة والخلق.
وإلا كيف ينبعث من بين الأشلاء والجثث، فتاة تتوخى بخطواتها الحذر أن تدوس عليهم، وتتطلع برأسها لأحلام تتجسد حقيقة على خشبة المسرح؟ وفي المقابل على الضفة الأخرى، يناضل شاب ليكتب، بعد امتلأت ثقوب ذاكرته.
“تعلّمت في السّنين الأخيرة أن أُمرّن ذاكرتي على النّسيان، على التّحرّر من الذّكريات. عندما أنسى أشياءً فأنا فقط أوطّنها في نقطة سوداء من ذاكرتي، وأعود إليها كلّما احتجت إليها، وعندما أنسى أشخاصًا؛ فأنا أمنحهم فرصة لتذكّرهم لاحقًا.”
اقتباس، ص 11 من رواية حطب سراييفو.
تتشابه على ضفَّتي حربينِ، مدينتانِ، بعيدتان في السكنى، قريبتان في أشياء أخرى، هل يعود غريباً بعد ذلك أن يشعر سليم بصلة خاصة وغامضة تربطه بإيفانا البعيدة؟ تزيد غرابته مبادلتها هي ذلك النوع من الإنجذاب؟ لعل أشقاء الشقاء يتعرف بعضهم على بعضهم الآخر، كلاهما طبعت على ملامحه ذات المعالم.
في هذا العمل الأدبي لا يفتأ الكاتب يؤرجحنا بين الضفتين، يكاد يساوي في قسمة إقامتنا عند كل ضفة، ويكاد يوحي بعمله ذلك أننا أمام أدب واحد بجهين مختلفين، بلد واحد ومدينتين منفصلتين ومرتبطتين، قضية واحدة، وأعداء متشابهون.. نقرأ عن بطل واحد، بنصفين متساويين! يقارب الصورة الكاملة لما يقلب الوجهين، يفرق في التفصيل ويجمع في الإجمال، يتحدث على لسان سليم، ويكمل على لسان إيفانا؛ ليعلمنا أن الحكاية واحدة، ويثبت أن الحقيقة الكاملة لا يرويها شخص واحد.
“ابحث عن الحقيقة كاملة ولا تكتفي بشهادة شخص واحد”
اقتباس، ص 246/308. حطب سراييفو.
ينطلق الكاتب، على لسان سليم من البداية، في خط زمني يمضي قُدماً، لكنه يلتفت كثيرا في طريقه، وهل يمكن للمثقل ألا يلتفت؟ يلتفت، يذاكر بعض الومضات، ويرسم لنا نحن تفاصيل الحكاية كما تفعل إيفانا، غير أنها بدأت الحكي من لحظة ميلاد جديدة لها، عادت بعدها لتحدثنا عن الماضي في خط زمني يشبه خط سليم؛ حتى عادت لتلك اللحظة وأخذتنا معها في خط جديد، كأي مما تجدد فيها.
إيقاع الرواية سريع، وقوده السرد، لا يبطئه وصف الأماكن، وبعض الملامح، ينطلق الكاتب نحو وجهته، كأنه يسابق فوات شيء ما، ما كان يا ترى؟ أم أن سيل الأحداث، زخم التاريخ المعبأ في الرواية، يثقل الأحداث المتساقطة؛ فيزيد من سرعتها.
مع الإيقاع السريع، نتساءل أحيانا عن عالم البطل، نتخيل أن الأحداث فيه قد تمر ببطئ معاكس، كيف تراه يتفاعل حقا معها، تجيبنا عن ذلك إجابات اقتضبها السرد، والعالم البطيء الذي نبحث عنه يظل مستورا خلف ستار لغة البطل، التي توحي لنا من وقت لآخر بطبعه، بخصاله وعما ربما يعتمل ذهنه..
وتلك اللغة جاءت متماسكة وشبيهة في بساطتها، بهيئة شاب جزائري، لعلك قابلته في طريق المقهى، أو تبادلت معه بعض أطراف الحديث، أو ربما قص عليك من سيرته؛ لكنك لا تدعي بعد ذلك أنك قد عرفت من هو، أكان ذلك عائدا لقول سليم أنه ليس بالرومانسي، قالها قاصدا إياها منحى خاصا فإذا بها تقارب منحى آخر؟ منحى أعرض وأشمل، فهو ليس بالرومانسي الذي يحكي قصته مصورة بمكنونات نفسه، وأسرارها.. هو الذي الكلاسيكي العملي الذي يعتمد على الأحداث والوقائع. ماذا عن إيفانا؟ هل تشبه لغتها شابة من البوسنة؟
إعداد: منال بوخزنة.
تدقيق لغوي: حفصة بوزكري