مراجعة رواية الحارس في حقل الشوفان لجيروم ديفيد سالينجر.

بطاقة تعريفية:

الرواية: الحارس في حقل الشوفان.
المؤلف: جيروم ديفيد سالينجر
عدد الصفحات: 192

بطاقة الكاتب:

 لقد كان جيروم ديفيد سالينجر (1919-2010)  واحداً من أشهر الروائيين الأمريكيين في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. روايته الشهيرة الحارس في حقل الشوفان حققت شهرة واسعة بسبب عالمية بطلها، ولكن هذا الشيء دفع سالينجر نحو أضواء الشهرة وهو الشيء الذي كرهه بشدة. لذلك وبعد عدة مشاكل مع الشهرة قرر سالينجر أن يعتزل الحياة العامة وذهب لكي يعيش في كوخ خاص في مكان منعزل حيث بقي يكتب قصصا وروايات إلى أن توفي في 2010، أغلب قصصه كتبها دون نية نشرها ولكن بعد وفاته قررت زوجته وولده نشرها للعامة ولكن قد يستغرق الأمر سنوات من التنضيد لجمع ما يقارب ال50 سنة من العمل وتجهيزه للنشر. لذلك بقيت أغلب أعمال هذا الروائي الفذ من دون نشر إلى  هذه اللحظة، وما زال العالم ينتظر…

عن الرواية:

تتناول الرواية بضعة أيام من حياة هولدن كوبلفيلد وهو مراهق في السادسة عشر من عمره قد طُرد من مدرسته من جديد بسبب رسوبه في جميع المواد تقريباً. يقرر هولدن أنه سيبقى في المدرسة إلى أن يقوم المدير بإرسال رسالة الطرد إلى والديه فقط لكي يهضموا الموقف قبل وصوله هو للبيت، فهو لا يريد أن يكون في البيت عندما تصل رسالة الطرد ويضطر لشرح الموضوع لعائلته.

لكن هولدن لا يحتمل المدرسة أيضاً لذلك يقرر الخروج منها، وهكذا، من دون مدرسة يعود إليها ومن دون بيت يتوجه إليه يهيم هولدن على وجهه في شوارع نيويورك.  تواجه هولدن الكثير من الشخصيات والأحداث ويحاول أن يتجاوزها بأكبر قدر من الأمانة والصدق فهو يكره النفاق والتصنع وهذه الصفة هي الشيء الذي يحدد شخصيته تقريباً، فكرهه للنفاق والتصنع هو تقريباً الشيء الذي تدور حوله حياة هولدن وهذه الراوية في نفس الوقت.

إن هذه الرواية ليست قصة بقدر ما هي بوح. فهي لا تحوي السُّلم التقليدي من المقدمة، الحبكة، الخاتمة ولا تحوي أي نقطة حيث تتصاعد وتتشابك الأحداث، وكذلك ليس هناك أي تغير أو تطور في الشخصية الرئيسية. إنها مجرد فضفضة مراهق غاضب ولذلك لن يُقدِّر هذه الرواية ويفهمها أحد مثل المراهقين الغاضبين.

إن الأسلوب الذي اتّبعه سالينجر هو ما سبب شهرة هذه الرواية، فالراوي وهو هولدن نفسه، يكلم شخصا ما ويشرح له الأحداث وقد يكون هذا الشخص مذكراته، صديق خيالي، أو ربما أنت القارئ نفسك. وعلى الأرجح هو الخيار الأخير أو هذا ما يشعر به الأغلبية، ففي الكثير من الأحيان يخاطبك هولدن بشكل مباشر لكي يخبرك عن مشاعره وربما يسألك في بعض الأحيان عن رأيك بأفعاله.

 فهذا النوع من الأسلوب دفع القراء وبالخصوص المراهقين أو حتى من كانوا مراهقين غاضبين في فترة ما من حياتهم لقراءة هذه الرواية كنوع من الاستماع لصديق يفضفض عنه أعباء المجتمع المنافق الذي يثير التقزز بكل مثاليته وجماله. هذا الجمال الذي نعرف أنه مزيّف والجميع يعرف أنه مزيف، ولكن الجميع يحاول التظاهر بأنهم سعداء فقط لأجل الحفاظ على مكانتهم الاجتماعية، وهو الشيء الذي يجده المراهقون مقزّزا.

فأغلب المراهقين الغاضبين يتفهّمون معنى أن تمتلك غضبا مشتعلا في داخلك من دون وجود شخص تتكلم معه وتثق به. فهولدن يعاني ما عانوه هؤلاء المراهقين وجميعهم يستمعون إليه ليس لينقذوه أو يعددوا أخطاءه بل ولا حتى ليرشدوه، بل يسمعوه لأن لا أحد استمع لهم، إنهم ببساطة يفعلون ما كانوا يتمنون أن يفعل لهم.

إن لهولدن آراء متطرفة ومتناقضة وقوية في كل شيء وهو يكره كل شيء ما عدا أخته الصغيرة. البعض يرى هذا الشيء كنوع من التناقض من قبل الشخصية، ولكن في الواقع هذه هي عبقرية سالينجر حيث استطاع نقل العقلية المتناقضة للمراهقين الذين يكرهون كل شيء كنوع من أنواع تعريف الذات، فبالكره وبالانشقاق عن القطيع يمكننا أن نكون الآخر وهذا يعني أننا موجودين. فكما يقول سعيد صالح ” أنا لازم أعترض” فمن دون الاعتراض سنكون مجرد آخرين مجرد أرقام أخرى في التعداد السكاني وهذا الشيء في قلب معارضة المراهقين الذي يسعى للبروز والانفراد.

لذلك تعتبر هذه الرواية ثورية، ليست فقط لأنها تدفعنا لكي نثور لكنها ترينا أحد جوانب الثورة وهو الغضب، هذا الغضب العارم الذي يملكه المراهقون في صدورهم، غضب غير منطقي غير مبرر في أغلب الأحيان. وأنت عزيزي القارئ مخير بين أن تتفهم هذا الغضب كجزء من تجربة حتمية في حياة أغلب المراهقين  أو أن تحكم عليه بفوقية  ومنطقية من جانب خبراتك في الحياة.

تدقيق لغوي: عمر دريوش.

كاتب

الصورة الافتراضية
Sajjad Thaier
مترجم مبتدئ مهتم بالفلسفة والأدب
المقالات: 6

اترك ردّاً