فلنتحدّث عن العنصريّة: رجل الصّين

دليلٌ عن الإهانات العنصريّة

    وجد العضو النّقابي الدّيمقراطي “بوب بيكل”، سنة 2014، نفسه عالقًا داخل موجةٍ حادّة من الانتقاد، حين صرّح لقناة فوكس نيوز أنّ “رجال الصّين”1 أصبحوا أكبر تهديدٍ لأمريكا، وقد ركّزت أغلب الانتقادات على الإهانة العنصريّة “العفويّة” التي ذكرها، وعلى الاعتذار “غير الآسف” الذي نشره فيما بعد. لقد كنت واحدًا منهم، لكن وجدتُني أفكّر في الأمر مرّة أخرى. ففي النّهاية أنا واحدٌ من الصّينيين الأمريكيين، وقد ألّفت كتابًا2 عمّا نواجهه أثناء هذه الفترة المتوتّرة بين الصّين وأمريكا.

  جعلتني أزمة بيكل أستحثّ حدسي لأعرف متى يصبح استعمال هذا المصطلح مقبولا، وقادني ذلك لأصوغ أربع قواعد من أجل كلّ الكلمات التي يمكن أن تستعمل كإهانات عنصريّة.

   القاعدة الأولى: هل أنا عضوٌ من فئة تستعمل هذه الكلمة كإهانة عنصريّة لها؟ إن نعم، انظر القاعدة الثّانية، وإلا، فانظر القاعدة الثّالثة.

  القاعدة الثّانية: هل أنا مدركٌ أنّ للكلمة استعمالًا مهينًا؟ إن نعم، انظر القاعدة الثّالثة، وإلا فانظر القاعدة الرّابعة.

  القاعدة الثّالثة: هل أنا أستعمله بسخريّة في سياق مخصّص؟ إن نعم، فكما ذكر موقع رايس كارد “فبينما أنا أستطيع أن أقولها، فإنه لا يمكنك ذلك”3.. وإلّا فانظر القاعدة الرّابعة.

  القاعدة الرّابعة: هل أنا أتحدّث بنيّة الثّناء على هذه الفئة أم بنيّة ذمّها وإدانتها؟ فإن كان من أجل الثّناء، قد لا أكون خبيثًا ذا نيّة سيّئة، إلا أنني لا أزال عنصريّا. وأمّا إن كان من أجل الإدانة، فلعليّ خبيثٌ وعنصريّ في الوقت ذاته، وسيعتبرني النّاس كذلك حتمًا.

   من أجل تطبيق هذه القواعد الأربع، فلنأخذ مثال استعمال الكلمة المهينة “تشاينامان – رجل الصّين” المذكورة في كتابي. كانت هذه الكلمة تستعمل في خمسينات القرن الماضي في أمريكا، حين كان العمّال الصينيون المهاجرون يكلّفون بأشقّ المهامّ وأخطرها أثناء أشغال بناء سكك الحديد، والتنقيب في المناجم، وحيث كانت فرص بقائهم أحياءً بعد نهاية الأعمال تكاد تنعدم. ثمّ دخل هذا اللفظ إلى المعجم اللغوي، تماما مثل عبارة ” هديّة الهنديّ4” أو “وعد الويلزي5“، وهي عبارات “ملوّنة6” ربطت بين سلوكيّات كريهة وأعراق غير مرغوبة.

    مضى وقتٌ طويل منذ أن اختفت الجملة عن الاستعمال الواسع، ولكن أنا أيضًا من “رجال الصّين” (القاعدة الأولى)، وأنا مدرك أنها تستعمل كإهانة عنصريّة (القاعدة الثّانية).. وأنني أستعملها في سياق ساخرٍ ضدّ نفسي (أو ضدّ عرقي) (القاعدة الثّالثة).

   وبدقة أكبر، أنا أستعملها كسخرية كتكريم للحسّ الساخر لأبي المهاجر. فقد كان تشاو هوا ليو، حين قدم في أواخر الخمسينيات “إسفنجة” تمتص الأمثال والكنايات الأمريكية. ويبدو أنّه تعلم هذه العبارة في مكان ما خلال مسيرته، واكتشف أنها تستعمل ضده وضد عرقه وقرر أن يخفف من ضررها باستعمالها في مواقف يومية تافهة كقوله لي -عندما كنت صغيرا- «لدى اليانكيز “فرصة رجل الصّين” للعودة في الشوط التاسع»، أو إذا اقترب موعد إغلاق محلّ شوبرايت «لديك “فرصة رجل الصّين” للوصول في الوقت». لقد علمني كيف يمكن لخفة الدم أن تحايد الخبث، كيف يمكن للأمريكيين الجدد أن يغيروا هدف “اللغة”، أن يتحكموا فيما يمكن التحكم فيه.

تم إخباري مؤخرا بقصة أخرى مشابهة عن وينغ لوك، أول أسيوي-أمريكي تم التصويت عليه لينضم إلى مجلس مدينة سياتل (أو لأي مكتب في الجهة الشمالية الغربية) في 1962. عندما كان مترشحا أخبره سياسي أبيض بأنه لا يملك حتّى فرصة رجل الصين للفوز بالانتخابات. أجابه لوك «بالمقابل، أنا الوحيد الذي يملك فرصة رجل الصين». بهذا الشكل يتم ردع شخص عنصري.

وفي نفس السياق، أعطت قناة إي بي سي الضوء الأخضر لعرض مسلسل كوميدي تحت اسم “فرش أوف ذ بوت” (طازج من القارب)، مستوحى من الذكرى “غير المحترمة” من الشيف الشهير والشخصية التلفزيونية “إيدي هوانغ”، الذي كان يعلم عند تأليف كتابه بأن عبارة “فرش أوف ذ بوت” أو “أف أو بي” استعملت طويلا من طرف أمريكيّي الولادة لإهانة المهاجرين الجدد والذين لا يستوعبون هذه الفظاظة. ولكنها تستعمل بطريقة ساخرة أو هزلية فيما بين بعض الأسويين-الأمركيين.

   بهذا يطلب هوانغ استعادة عبارة “أف أو بي” لتسليط الضوء على طريقة استعمالها سابقا. قد يختفي هذا الاختلاف البسيط بالنسبة لبعض من سيشاهد المسلسل، لكن الحديث العرقي يتطوّر بهذه الطريقة، كما كتبت “تانيسي كوت” عن لفظ “الزنوج”. فحقيقة أنه حتى ولو لم يلاحظ البعض الاختلافات الطفيفة في كيفية تحييد أفراد مجتمع لعبارة ما عن أنفسهم، فهذا ليس مبررًا لمنع المجتمع عن استخدام تلك الكلمة.

ومع ذلك، حتى وإن تم تغيير المعاني، فأنا أعرف أن “فرصة رجل الصين” قد تسبب المضايقة إلى يومنا هذا. أخبرتني إعلامية ما أنها تشعر بالخجل من قراءة اسم الكتاب، لكن السياق مهم، وكذلك النية. إذ أن التحدث بنية الاستبعاد مختلفة عن التحدث بنية الاحتواء أو المطالبة به. وفي معظم الأحيان للنفوذ أهمية، فإهانة أشخاص أقل نفوذا منك يعرضك للانتقاد أكثر من إهانة شخص أقل أو في نفس نفوذك.

   من هذا الضوء نرى بأنه من الواضح بأن طريقة استعمال “بيكل” للعبارة المعادية خاطئة لأنه قصد الذم، مستعملا أكثر كلمة لئيمة قديمة الطراز لتحقيق هدفه، متجاهلا الفرق بين صينيي الصين والصينيين الأمريكيين وكأننا كتلة عدائية واحدة غير قابلة للتفريق.

   وكمثال أخير؛ فلنأخذ عبارة الـ”ردسكينز” (ذوي البشرة الحمراء)، وهي تسمية فريق الدوري الوطني لكرة القدم الأمريكية والذي يمتلكه “دانييل سنايدر”. سنايدر ليس جزءا من المجموعة (القاعدة الأولى)، هو يعلم بكل تأكيد بأن هذا الاسم مهين (القاعدة الثّانية)، يستعمل الاسم بجدية وليس كتلميح هازل لإعادة التخصيص (القاعدة الثّالثة)، وإذن لا يمكن له أو لمدافعيه أن يدّعوا بأنه يمدح السكان الأصليين (القاعدة الرّابعة).

كل هذا ربما يؤدي إلى القاعدة الخامسة: إذا لم أكن أنوي المدح ولا الذم، فهل من الصعب تغيير العبارة؟

إذا كان الأمر كذلك، ففرصة التّغيير ضئيلة للغاية، ومن الأفضل أن نرحل إلى مزبلة التاريخ الأمريكي.

الهوامش:

(1): هذا اللّفظ يختلف عن لفظ “الرّجل الصّيني”، إذ تبدو فيه نبرة استعلائيّة بنسبة الشّخص إلى بلده بشكلٍ أعمق ممّا يجب إلى درجة تجريده من هويّته الإنسانية. قد نعتبر أنّ المرادف الأقرب في اللّهجة الجزائرية هو لفظ “الشّناوة”.

(2): الكتاب بعنوان “فرصة رجل الصّين Chinaman’s chance”، ويقصد بذلك “الفرصة الضئيلة جدّا”.

(3): أي أنّ الفئة المستهدفة بهذه الإهانة يمكنها أن تدرجها في حديثها خلال سياقٍ ساخر، أمّا كلّ الآخرين فهذا ممنوع.

(4): هذه ترجمةٌ مقترحة لعبارة Indian giver، التي أطلقها الأوروبيون المهاجرون الأوائل على الهنود الحمر، حين رأوهم يعتبرون الهديّة المجرّدة دعوة لمقايضة تجارية. تستعمل العبارة ككنايةٍ لمن ينتظر مقابلًا ممّن يهدي إليه.

(5): هذه ترجمةٌ مقترحة لعبارة Welshing on a promise، وهي إهانة واضحة لسكّان ويلز تستعمل ككناية لمن لا يفي بوعده وينقضه في أوّل فرصة.

(6): ملوّنة بمعنى أنّها عنصريّة لكنها مضمرة.

– تمّت التّرجمة بموافقة صاحب المقال الأصليّ –

تدقيق لغوي: حفصة بوزكري

المصدر: The Atlantic

Authors

الصورة الافتراضية
BOUSDJIRA Sarah Nibel
المقالات: 0

اترك ردّاً