لقد غزا الذكاء الاصطناعي عديد المجالات، ممّا يعني أنّنا قد نجد أنفسنا في موقع لا نستطيع فيه الاستغناء عنه مستقبلاً. ربّما ما كنا نعتبره خيالاً وبعيد المنال اليوم لن يصبح كذلك في غضون سنين قادمة.
كان رولان بارت يتحدّث بشكل مجازي عندما اقترح في عام 1967 أنّ “ميلاد القارئ رهين بإعلان موت المؤلف”. ولكن بينما يتّخذ الذكاء الاصطناعي أولى خطواته في كتابة القصص الخياليّة، يبدو أنّ التكنولوجيا قد تبدأ يومًا ما في جعل استعارة بارت حقيقيّة جداً.
لايزال الذكاء الاصطناعي بعيداً نوعا ما عن كتابة رواية كاملة، كتجاربه السريالية مع عرض هاري بوتر، لكن المستقبل ليس بعيدًا جدًا في هوليوود. فوفقًا لـنادرة أزرماي، التي تعمل شركتها ScriptBook على تطوير الذكاء الاصطناعي لكتابة السيناريوهات: “في غضون خمس سنوات، ستكون لدينا نصوصٌ مكتوبة بواسطة الذكاء الاصطناعي، لدرجة أنّك ستعتقد أنّها أفضل من الكتابة البشرية”.
بغض النظر عن الترويج الذاتي لأعمال شركتها، إذا كان هناك احتمال لسيناريو لائق من الذكاء الاصطناعي في ScriptBook في غضون خمس سنوات، فإنّ الرّواية التي تؤلفها الآلات (الذكيّة) لا يمكن أن تكون بعيدة. ولكن من الصعب التّخلص من الانطباع بأنّه حتّى لو اتضح في نهاية المطاف أنّ مثل هذه الرّوايات “أفضل من الكتابة البشرية”، فقد نفقد شيئاً ما. ربّما يأتينا هذا الشعور ممّا يمكن أن نطلق عليه “لعنة رولان بارت”: فكرة الأدب كوسيلة تواصل.
تقول ريبيكا سولنيت أنّه إذا كان الكتاب كـ” قلب ينبض فقط في صدر شخص آخر”، فيبدو أنّ هناك حاجة لطرفين: شخص يكتب وآخر يقرأ. لذا عندما يكتب الذكاء الاصطناعي يبدو أنّ هناك قطعة مفقودة، فراغ في قلب النّص حيث يجب أن يكون المعنى موجودًا. بالطبع، لن يصرح بارت بأي شيء من هذا، ويؤكد على أن “اللّغة هي التي تتحدث، وليس المؤلف”. ومن خلال مصطلحات مثل OpenAI’s GPT-2 والتي تتوقع بشكل مثير للدهشة عمل البرمجيات في طليعة الكتابة الاصطناعيّة، يعلل بارت بأنّ النّص ليس “سطرًا من الكلمات… ترسل معنى وحيداً (“رسالة” المؤلف -الإله)”، بل “نسيج من الاقتباسات النّاتجة عن آلاف مصادر الثقافة”. ويتابع بارت قائلاً: “يمكن للمؤلف أن يقلّد إيماءة سابقة إلى ما لانهايةـ لكن لن يتمكن من تكرار الإيماءة الأصليّة.. وإذا أراد أن يعبر عن نفسه… فإنّ” الشيء” الداخلي الذي يدعي أنّه ترجمه، هو في حدّ ذاته قاموس جاهز بحيث تفسّر كلماته (المحدّدة) فقط بكلمات أخرى، وهكذا إلى ما لا نهاية”.
تخيّل نفسك، بعد بضع سنوات في المستقبل، تسحب من على الرفوف رواية كتبها مؤلف مجهول وتجد أنّها جيّدة حقًا. هل ستكون أقل تأثرًا بالقصّة إذا قيل لك بعد ذلك أنّه تم إنتاجها باستخدام الذكاء الاصطناعي الرّائد؟ إذا كان كل ما لديك كلمات على الصفحة، فكيف ستعرف حتّى؟ أولئك الذين سخروا من فكرة أنّ الذكاء الاصطناعي قد يتمكن من اجتياز اختبار تورنغ الأدبي هذا لم ينتبهوا لهذا الأمر طوال الخمسين عامًا الماضية. يمكن لأجهزة الكمبيوتر الآن قيادة السيارات، والتّعرف على الوجوه، والتّرجمة بين اللغات، واستعمالها كمساعد شخصي لك، وحتّى التّغلب على بطل العالم في Go – الإنجازات التي غالبًا ما يتم استبعادها على إعتبار أنّها “مجرد حوسبة”، على الرّغم من أنّ أحد خبراء السبعينيات كان سيصنف أياً منها كقدرة مميّزة للذكاء البشري.
إذا قرّر النّاشرون أنّ مستقبل الأدب سيكون مكتوباً في التعليمات البرمجيّة، فقد لا يزال هناك بعض الأمل للمؤلفين. لا يمكن أن يكون الانتقال إلى الرّوايات التي ينتجها الذكاء الاصطناعي سوى استراتيجية قصيرة المدى. كما حدس بارت وأثبتت خوارزمية OpenAI الأخيرة، من الممكن بالتّأكيد تجميع كتابة مؤلف ما من كتابات أخرى. ولكن حتّى لو أصبح هذا المزيج من النثر “أفضل من الكتابة البشرية”، فسيكون لدينا أعمال ذات إلهام محدود.قم بتدريب الذكاء الاصطناعي الخاص بك على مجموع الأدب البشري حتّى الآن وكل ما ستحصل عليه هو مجموعة من المراجع: “لكن لن يتمكن من تكرار الإيماءة الأصليّة”.
إيمان بارت بسيادة الكلمة وإصراره العنيد على أنّ “الحياة يمكنها فقط أن تقلد الكتاب” يتركان وصفته للأدب تفتقد عنصراً حيويّاً: التّجربة الفرديّة التي لا يمكن لأيّ مؤلف بشري يواجه الصفحة الفارغة أن يتجنبها. بدون حياة، حتّى أكبر موهبة للذكاء الاصطناعي هي أن يكون بإمكانه فقط إعادة ترتيب الكتب التي استوعبها في تدريبه – ربمّا بما يكفي لبضع سنوات جيّدة في النشر، ولكن بالكاد يكون نموذجًا مستدامًا للكتب الثقافيّة.
ربمّا أنا أفكر بطريقة ضيّقة جداً، ربّما أي ناشر يتطلع لموت المؤلف سيحتاج فقط إلى توسيع البرنامج التدريبيّ لمجموع الآلات التي سوف تكتب، ربّما يمكنه ربط الذكاء الاصطناعي بالأخبار اليوميّّّة وكذا ربطه بـSpotify، وتشجيعه على تكوين صداقات جديدة على Twitter. بالطبع، ستكون الخوارزميات النّاتجة مختلفة تمامًا عن البشر، لكن رغم ذلك قد تكون هذه الخوارزميات مثل كائن يفكّر ويشعر بحيث أنّ رواياته ستصف شيئًا مدهشاً إلى حد ما.
المصدر: https:///commentisfree/2020/jan/27/artificial-intelligence-computer-novels-fiction-write-books
ترجمة بتصرف.
تدقيق لغوي: ميّادة بوسيف.