وهم الأمل: كامو، شوبنهاور، ونيتشه.

رجل يسجن خطأً بتهمة القتل، وهو ينزل إلى سريره لأول مرة، مع رنين من الفولاذ يتردد في أذنيه… يأمل.

ويأمل أن يتمكن محاميه من إعادة المحاكمة. يأمل أن تبقى زوجته وفية له، وأن تغفر ابنته له على مغادرته. يأمل ألا يتم طعنه في ساحة السجن. تحاصره الجدران من كل جانب، يصبح الأمل نوره الهادي – هروبه من رعب واقع جديد وغير عادل. ولكن هل هذا جيد له؟

لم يعتقد كامو، نيتشه، وشوبنهاور ذلك. فبالنسبة لهم، الأمل هو زوج من نظاراتٍ ذات عدسات وردية يحول الواقع إلى شيء ممتع، ويحرمنا من فرصة مواجهة وضعنا بصدق. إنه اختيار الوهم المريح على الحقيقة المؤلمة، دون اكتشاف دروس قيمة، ولا حكمة مكتسبة. إنه رفض للحاضر، ولأن الحاضر لا مفر منه، والماضي والمستقبل لا شيء سوى المفاهيم في رؤوسنا، فإنه ليس أقل من رفض الحياة نفسها.

بالنسبة لكامو، في توقع شيء أفضل، فإن الأمل هو تهرب من اللحظة الحالية – رغبة قوية في حياة لا نملكها، لكننا نشعر بأننا مؤهلون لها.

“فعل التضليل النموذجي… هو الأمل، الأمل في حياة أخرى، يجب أن تكون من – استحقاق – المرء، أو خدعة أولئك الذين يعيشون، لا للحياة نفسها، وإنما لفكرة ما، عظيمة، ستفوق الحياة، تنقيها، تعطيها معنى، وتخونها.”

ألبير كامو، أسطورة سيزيف

العيش في الأمل هو العيش في الوهم. نحن نختار الخيال بعيد المنال على الواقع، مما يعيق قدرتنا على تقدير جمال اللحظة الحالية، اللامتناهية في الثراء. حتى الرجل البريء القابع في السجن يمكن أن يقدر جمال تجربته، باختيار عدم تثبيط حواسه لأجل واقع أفضل، بل قبول وضعه بشجاعة. التخلي عن الأمل يجعله غير ضروري، ويحل محله الاعتراف وتقدير الشيء الوحيد الذي يمكن أن يكون موجوداً على الإطلاق: هذه اللحظة الآن.

بالنسبة لشوبنهاور، فإن الأمل ليس مجرد رفض للحياة، بل هو فشل في التنبؤ أيضاً. نأمل في الحصول على شيء أعظم وأكثر جمالًا، ولكن مثل المقامرين المثيرين للشفقة الذين يطاردون الدوبامين، يفشلون في إدراك احتمالية وصولهم إليه. نلف النرد مرارًا وتكرارًا، تتناقص رقائق البطاطس، تبدأ علامات العبوس في البروز، ويتلاشى التفاؤل.

“الأمل هو اختلاط الرغبة في الحصول على شيء ما مقابل احتمالية حدوثه.”

آرثر شوبنهاور

كمحكوم عليه بالسجن مدى الحياة، رأى إروين جيمس أيضاً عقم الأمل. في خضم فترة سجنه في المملكة المتحدة، وعندما تم رفع الحد الأدنى لمدة سجنه إلى 25 سنة، قُضي على شعوره بالأمل. لكن في النهاية، رآه بأعين مفتوحة.

“الحقيقة هي أن الأمل لمدى الحياة مرهق. إنه يمنعك من النوم ويمكن أن يدفعك للجنون – الأكثر أمانًا ألا تتوقع شيئًا ولن تشعر بخيبة أمل أبدًا. أنت تعرف جرائمك، والحزن الذي تسببت به، والعار والذنب الذين تعيش معهما – والتعويضات التي لا يمكنك أن تقدمها أبدًا.”

إيروين جيمس

هذا ما يفعله الأمل بنا غالبا: خيبة أمل، تليها استياء، مرارة، والشعور بالظلم الحاد، حيث عانينا بشدة ونريد أن نضرب الأرض بأقدامنا والصراخ حول مدى عدم عدالة ذلك. إنه السقوط الحتمي لمنظور قائم على الوهم. مثل إبرة أرقى أنواع السكر البني¹ في أفغانستان، إنها جميلة في البداية، لكنها مروعة لاحقًا.

عندما قام زيوس بالانتقام من إبيمثيوس² بتقديمه لباندورا³، وفتحت على الفور الصندوق الذي أطلق العنان لسيول الشر على العالم، بقي شيء واحد في الداخل – الأمل. لهذا السبب، كان الأمل ثمينًا واُعتبر خير الإنسان. لكن بالنسبة إلى نيتشه، كان هذا أكثر تصرفات زيوس شناعة، لأنه بغض النظر عن مدى تعذبنا بالشرور الأخرى، فإن الأمل هو الشيء الذي “يطيل عذاب الإنسان”، بينما نواصل الأمل في مستقبل أفضل لن يصل أبدًا؛ للحصول على مكافأة لا وجود لها. وصف نيتشه الأمل بأنه “قوس قزح فوق مجرى الحياة المتسلسل”، والذي سنصعد به بسعادة حتى اللحظة التي يختفي فيها تحت أقدامنا، كجسر وهمي لم يتم تأمين مروره أبدًا.

كان نيتشه متشائمًا مؤكدًا على أهمية الحياة – كانت لديه نظرة يائسة للعالم، ولكن بالرغم من ذلك، حثنا على أن نقول “نعم” لحياتنا.يشجعنا الروائي اليوناني نيكوس كازانتزاكيس أيضًا على التخلي عن الأمل ومزاولة هذا النوع من التشاؤم:

“علينا إذن أن نختار أكثر وجهات النظر الميؤوس منها للعالم، وإذا كان من قبيل المصادفة أننا نخدع أنفسنا وكان الأمل موجودًا، فهذا أفضل بكثير… وبهذه الطريقة لن تُذل روح الإنسان، ولن يتمكن الله ولا الشيطان من السخرية منها بالقول أنها أصبحت مخمورة مثل مدخن الحشيش وصمم جنة وهمية من السذاجة والجبن – من أجل تغطية الهاوية. بدا لي أن الإيمان الأكثر حرمانًا من الأمل ليس هو الأكثر صدقًا، ولكن بالتأكيد هو الأكثر قيمة. لقد اعتبرت الأمل الميتافيزيقي طعمًا مغريًا لا يتغاضى عنه الرجال الحقيقيون.”

نيكوس كازانتزاكيس

ربما كان “ريد” (من فيلم “الخلاص من شاوشانك”) على حق طوال الوقت – الأمل شيء خطير؛ طريق غير مستقر ملون بالورود قابل للتلاشي من تحت أقدامنا، مما يجعلنا نعود إلى الواقع. مع التخلي عن الأمل، يمكن استبدال مفاهيمنا الخاطئة بشيء حقيقي، والذي لا يوجد فقط في الخوخ والكريمة والحيوانات الرقيقة وأقواس قزح، ولكن أيضًا الرفض الجنسي، والخطو حافي القدمين على ليغو (الألعاب التركيبية)، وحساب مصرفي عادة بالسالب.

عندما نحشد الشجاعة لترك الأمل عند الباب، نخطو إلى دور البطل، ويمكننا أن نتبنى تجربتنا الفورية بكل مجدها.

المصدر

هوامش:

¹السكر البني: الهيروين غير المكرر الذي يحتاج إلى الذوبان في عصير الليمون.

²إبيمثيوس: في الميثولوجيا الإغريقية هو أخو الآلهة بروميثيوس الذي كلفه زيوس بخلق الحيوانات في الأرض ومنهم البشر وتزويدهم بكل متطلبات الحياة.

³باندورا: أول امرأة وجدت على الأرض حسب الميثولوجيا اليونانية. خلقت بأمر من زيوس، وتم خلقها حسب الأسطورة من الماء والتراب، ومنحت العديد من المزايا مثل الجمال والإقناع وعزف الموسيقى.

تدقيق لغوي: حفصة بوزكري

كاتب

الصورة الافتراضية
NEZLI Rami
المقالات: 0

اترك ردّاً