بطاقة فنية
اسم الكتاب: رسائل إلى روائي شاب.
اسم الكاتب: ماريو بارغاس يوسا.
نوع الكتاب: رسائل.
عدد الصفحات: 131.
اسم المترجم: صالح علماني.
دار النشر: دار المدى.
سنة النشر: الطبعة الأولى 2005 والثانية 2013.
عن الكاتب
ماريو بارغاس يوسا، وُلد 28 مارس 1936 بأريكويبا بيرو، كاتب وسياسي وصحفي وبروفيسور جامعي، من أهم كتاب أمريكا اللاتينية، حاز جائزة نوبل للأدب سنة 2010. من بعض أعماله: “حفلة التيس“، “امتداح الخالة“، “الفردوس على الناصية الأخرى“، “حرب نهاية العالم“.. وغيرهم.
عن الكتاب
كم كان ليكون من المثير لو كنت كاتبا ناشئا، روائيا شابا، أن تتخيل مراسلات بينك وبين واحد من الكتاب الذين تتطلع إليهم بتوقير، فتنشأ بينكما صلةُ صديق لصديق، صداقة كتابة، قد تشبه هذه الصداقة الزمالة في المهنة إلا أنها أعمق بمقدارٍ ما، لما تُقِيمه الكتابة من روابط بين أولئك الذين كرَّسوا أنفسهم لها.
لعل هذه الفكرة قد أثارت خيال الروائي الكبير ماريوس بارغاس يوسا، فحرَّكت رغبتَه في مشاركة ثمرة ملاحظاته وقراءاته وسنوات قضاها في الإخلاص لهذه المهنة. وهكذا يشاركنا عصارة رحلة عمره مع القراءة والكتابة في عشراتٍ من الصفحات، مقسمة على اثني عشرة رسالة موجهة للروائي الشاب، المفعم بالحماس، يحدثه عن تقنيات الكتابة، خلف عناوين رسائل تحمل تسميات غرائبية أحيانا، جذابة، ومحركة للفضول. ينقلنا فيها لرحلات في كتب وأعمال أدبية مستخرجا منها دعائم ملاحظاته، فيشرح لنا الأدوات ويكشف أسرار الأعمال التي اختارها أمثلة، فنجدنا في نهاية الرسالة نومئ بعجب واتفاق على ما جاء فيها.
هذه المراجعة هي محاولة للإشارة إلى بعض ما جاء في الرسائل الاثني عشرة. وهي كما يأتي:
الرسالة الأولى: “قطع مكافئ للدودة الوحيدة”.
يتحدث ماريو بارغاس يوسا في رسالته الأولى عن الروائي وعلاقته بالكتابة، عن أشياء مثل الميل الأدبي، الموهبة والانضباط، فما الذي يصنع الكاتب في النهاية؟ وما هي نقطة الانطلاق؟ وهل نرى غالبا كُتَّابًا بارعين في سن مبكرَّة؟ عن علاقة الكاتب بالكتابة يصنع ويستحضر تشبيهًا، قصةَ دودة وحيدة تعيش داخل جسد بشري، تحوِّله لعبد لرغباتها، يقوم بكل ما يقوم به لإخماد أو اتّقاء عدم رضاها.
الرسالة الثانية: “الكاتوبليباس”.
يتحدث يوسا في الرسالة الثانية عن العلاقة والصلة بين واقع الكاتب وخيال كتاباته، ومن هنا يتطرق لسؤال كون الكاتب حرا في اختيار موضوعات كتابته، أم أنه مقيَّدٌ بطريقةٍ ما من خلال تجاربه الحياتية، وبالتالي فحريته تلك نسبية، وهو يرى أن الكاتب عليه أن يكون حقيقيا، أصيلاً (authentic) يكتب المواضيع التي تلح عليه وتؤثّر فيه، قائلا أن الكتاب الذين يتجنبون تلك المسائل ظنا منهم أنها غير جذابة مخطئون وخائبون بذلك، وأن البقية تعتمد على طريقة الكتابة، الكتابة السردية.
الرسالة الثالثة: “قوة الإقناع”.
الروايات العظيمة لا تُفصل مواضيعُها عن الطريقة التي رويت بها، بمعنى أنك لو علمت موضوع الرواية مسبقا، فإن هذه المعرفة المسبقة لن تؤثر على تلقيك لعالم الرواية، وهنا تكمن براعة الكاتب الذي يتمكن من إقناعك بأن عالم الرواية عالم مستقل عن العالم الواقعي الذي جئت منه، ومكتف بذاته. يقنعك بذلك لمَّا يجعلك تعيش تلك الأحداث! مع وجود حبلٍ يربطها بواقعك لما تدقّ نقاطا تعنيك وحياتَك وتتطرق لقضاياك الحقيقية فتقنعك.
الرسالة الرابعة: “الأسلوب”.
يأتي الأسلوب بعد قوة الإقناع في الترتيب لأنه لابد ملازمٌ له، فحتى تقنعك الرواية بحقيقتها لابد أن تكون الطريقة التي تُروى بها مناسبة ومتناسقة معها حتى تخرج في صورتها المقنعة، فيقول يوسا أن الموضوع حتى لو لم يكن متماسكا فإن على الأسلوب أن يكون كذلك كي يبدو عدم تماسك الأول أصيلا. مشيرا إلى أن الأسلوب الذي لا يحسن تقديم الموضوع يصنع فجوة بينهما تحول دون حدوث قوة الإقناع وبالتالي حقيقية العمل.
الرسالة الخامسة: “الراوي، المكان”.
في هذه الرسالة تحدّث عن تموقع الكاتب من الرواية، كراوٍ مستقل أو كشخصية من القصة أو كراوٍ متطفل على القصة لا تعلم أهو مستقل عنها أم جزء منها، وعن تنقّله بين هذه الرؤى المكانية والأدوار، وكيف يعكس ذلك براعة الروائي ودرجتَها.
الرسالة السادسة: “الزمن”.
الزمن أو الرؤية الزمانية هي أيضا عنصر جوهري في بناء الرواية، وقد تحدث الكاتب عن الزمن الكرونولوجي (الذي نعرفه) وعن الزمن السيكولوجي (الداخلي للشخصية) وعن حالاته الثلاث كما فعل مع الرؤية المكانية، وعن كل واحدة بشكل أخصّ قليلا، وعن مجازه الذي أطلق عليه فوهة البركان لوصف الأحداث المكثفة التي تنقل الحكاية وعن الفترات الميتة المتباطئة التي تربط تلك الأحداث بالشرح والوصف.
الرسالة السابعة: “مستوى الواقع”.
في هذه الرسالة يحدثنا يوسا عن رؤية المستوى الواقعي، والتي قد تبدو لنا غير متناهية ولا يمكن تحديدها في ثلاث خانات مثلا كما هو الأمر مع الرؤية المكانية والرؤية الزمانية، إلا أن التطبيق يعرض في النهاية هو الآخر رؤيتين وتقسيمين، هما الواقعي والفنتازي -وإن كان المفهومان نسبيّين- يتحدث عنهما وعن دورهما، فيقول:
والأمر ذاته مع الفنتازيا. وفي نهاية الرسالة السابعة يجمع القول عن هذه الرؤى الثلاث ودورها في قوة الإقناع.
الرسالة الثامنة: “النقلات والقفزة النوعية”.
يستدرك الكاتب حديثه في المرات السابقة عن النقلات بشرحه إياها في هذه الرسالة، موضحا أن النقلة هي التغير الذي قد يحدث في الرؤى الثلاث التي تحدّث عنها، أي أن هناك نقلات مكانية، زمانية أو في مستوى الواقع. فحينما يتحرك المكان بتغير ضمير الراوي مثلا، تكون نقلةٌ مكانية قد حدثت للتو، وعندما تكون النقلات المكانية فعالة فإنها تمنح القصة منظورا متنوعا شموليا وكليا، ولو فشلت فإنها ستحوله إلى فوضى واضطراب.
النقلات الزمنية هي تلك التي تحدث على مستوى أزمان القصة ويمكن بفعاليتها بناء تسلسل زمني كرونولوجي وباكتفاء زمني ذاتي للقصة. بينما القفزات النوعية هي النقلات التي تحدث في مستوى الواقع؛ فتأخذ العمل من الواقعية إلى الفنتازية عند لحظة معينة، وهذه القفزات هي هزات تغير طبيعة العمل، تبدل كينونة النظام السردي له، وتحدث ما عبر عنه الكاتب بالهزة الكينونية (الأنطولوجية)، وكما قال:
كل هذه النقلات قد ترتفع بالعمل لغاية الإقناع وتخدمه أو تهوي به في هاوية الغموض والإبهام، يظل ذلك منوطا بقدرة الكاتب على استعمال هذه التقنيات وحسن توظيفها.
الرسالة التاسعة: “العلبة الصينية”.
هذه التقنية في الكتابة مستوحاة من العلبة الصينية، أو الماتريوشكا بالروسية، وهي سلسلة أو متتالية من العلب كل واحدة منهن تكون أقل حجما من التي تسبقها، وتشابهها في الشكل والقالب، كما لو أنها نسخة مصغرة. تحدث يوسا في الرسالة عن التقنية التي يرى أنها من وسائل وأدوات الإقناع، فيقول بخلق قصص فرعية من القصة الأصلية تتعايش معها، وتضيف لها شيئا ما، سحرا، غموضا أو مغزى، والتقنية في أصلها تستعمل النقلات؛ كالمكانية والزمانية أو في مستوى الواقع. في هذه الرسالة يستحضر مثال حكايا ألف ليلة وليلة وقصة “الحياة القصيرة” لأونيتي ليشرح العلبة الصينية، تنويعاتها، تطبيقاتها، إمكانياتها ومخاطرها.
الرسالة العاشرة: “المعلومة المخبأة”.
هل يمكن أن تقوم رواية ما على حدث رئيسي مفقود؟ أو شخصية رئيسية مغيبة؟ ربما أمكننا القول في محاولة للاختصار أن هذا ما يسميه الكاتب المعلومة المخبأة، الغياب الحاضر والواضح، والإخفاء للانتباه والوضوح، وعن هذه التقنية سرد الكاتب مجموعة من الأمثلة من الروايات وطرق الكتاب الذين استعملوها، وكيف أثرت على منح الحياة والإقناع للعمل الروائي.
ليقول أن الرواية لا تحيط بالقصة كاملة حكيا ورواية، فالواقع أكبر من القصة، هنا تحدث عن التخلص مما ينبغي التخلص منه ليظهر العمل نقيا وبارعا، وشبه الرواية بالمكعب الذي يتم نحته في شكل نهائي، والأداة التي تعمَد لإظهار القطعة الفنية والرواية في شكلها النهائي هي أداة “المعلومة المخبأة”.
الرسالة الحادية عشرة: “الأواني المستطرقة”.
هنا يتحدث يوسا عن استعمال أكثر من واقعة واحدة في العمل الروائي، قد تحدث في أماكن مختلفة أو أزمنة أو مستويات واقعة مختلفة تتوازى مع بعضها ولكنها تتصل أيضا بطريقة تنتج الإقناع وتخدم كل الوقائع والغاية النهائية من الرواية. يستمر الكاتب في استشهاده بالأمثلة من أعمال كبرى شارحا مختلف أوجه الأواني المستطرقة وحالات ظهورها.
الرسالة الثانية عشرة: “على سبيل الوداع”.
في آخر رسالة ينبه يوسا صديقه الروائي الشاب إلى أن كل الوسائل والشكل الروائي يعد في النهاية جسدا بلا روح، وأن الإبداع الأدبي كالروح لذلك الجسد، لا يمكن تفسيره، تركيبته غريبة لكنه سر العمل. وهو لا يعلم وإنما يتعلمه الكاتب بنفسه. وفي الأخير يقول له:
في النِّهاية، رُبما يمكن الخلوص لقولِ أنَّ هذا العمل قد يكون ذا نفعٍ للروائيين الشباب، ليس فقط لأنه يقدم لهم أهم الأساليب التي وظفها روائيون حفظ التاريخ أعمالهم، ولكن لأنه أيضا يوجههم لعدد لا بأس به من تلك الأعمال، بنظرةٍ مسبقة لا من باب الحكم، ولكن من باب تسليط الضوء على مكامن الذكاء الروائي فيها. فكما لو أنه يقترح على القارئ طُرُقًا ربما لم يجرّبها من قبل في القراءة.
إعداد: منال بوخزنة.
تدقيق لغوي: كرنيف ربيحة.