عندما تخلق صناعة التبغ مذاق غير عادي للسجائر (شوكولاتة، فانيليا، نعناع، إلخ.) لجذب زبائن شباب وشابات، أو لتتوغل في السوق في البلدان الأقل تحضراً، لأنّ تشريعات الصّحة العامّة ليست مُلزمة بعد، “إنّه تسويق”. ويوافق الجميع على أنّ هذا أمر مشكوك فيه أخلاقيّا للغاية.
عندما تفرض الحكومة صورًا للرئتين المتهدمتين وأفواهًا بلا أسنان ليتم عرضها على علب السجائر للحدّ من الاستهلاك، هو كذلك تسويق. ويوافق الجميع على أن هذا عمل صالح.
الفرق؟ هذه المرة هو التّسويق الاجتماعي. لأنّ التّسويق هو أداة محايدة يتم تقديرها من نوايا الشخص الذي يستخدمها، من المتلاعب إلى الطيّب المقاوم. و لفترة طويلة تردّدت الجهات الفاعلة في مجال الصّحة والبيئة في استخدام تقنيات التّسويق، كما لو كانت ممتلكات “العدو” إلى الأبد.
اليوم تتغيّر العقليّات، والغاية تبرّر الوسيلة للذين يعتقدون أنّ استراتيجيات التّأثير لايجب أن تترك في متناول الخصوم.
الالتزام البيئي ليس أوتوماتيكيّا
نأخذ مثال عن حماية البيئة، وهي قضية رئيسيّة في القرن الواحد و العشرين، إذا كان هناك التلوث والاحتباس الحراري وتراكم النفايات… هذه كلها عناصر تضر الكوكب. وبعيدًا عن كونها نتيجة للصدفة أو لا، فهي في الواقع ناتجة عن النشاط البشري بمعنى أنماط الإنتاج والاستهلاك، لذا كيف يمكننا أن نعمل على ضدّ هذا الاتجاه؟
مهمة الخبراء في السلوك البشري، من بينهم علماء النّفس الاجتماعي الذين يحتلون مكانة بارزة. يكمن التّحدي في فهم سبب تبني الناّس لسلوكيات تضر بالبيئة ،ثم تصميم برامج تجعل من الممكن تغييرها أو تعديلها. لأنّه إذا كان الجميع يعرف أنّه من الأفضل إعادة تدوير السيّارة أو استخدامها بشكل مقتصد، فنادراً ما تتبعها الإيماءة.
يهدف التّسويق الاجتماعي إلى التغلب على هذا المأزق بفضل تقنيات التّسويق الدقيقة. في وقت مبكر من التسعينيات و في الولايات المتّحدة، قامت كارول ويرنر، أستاذة علم النّفس في جامعة يوتا، والمتعاونين معها بإختبار فعالية أربع طرق للحث على سلوك إعادة التّدوير: نشرة إعلاميّة واتصال هاتفي واتصال وجهاً لوجه، وأخيراً طلب التزام بالتوقيع. تُظهر النتائج بوضوح أنّه بين الشكل الأول والأخير من التّحسيس، تزداد نسبة سلوك إعادة التدوير بشكل مرتفع فالالتزام الرّسمي أفضل إذن، رغم أنّ طريقة الرسالة اتجاه إعادة التّدوير هو نفسه في جميع الظروف: سواءً حصلوا على نشرة إعلانيّة أو وقعوا على وثيقة، شعر جميع الأفراد الذين اقتربوا منهم أنّ إعادة التدوير أمر مهم. التّفكير ليس هو التفاعل وهو ما فهمه التّسويق منذ فترة طويلة.
من أجل تغيير السلوك، فإنّه من الضروري أن يستفيد النّاس منه بالمعنى الحرفي، أولاً وقبل كل شيء، مثلا، إنّ شرح أنّ توفير الطاقة ببساطة يوفر المال سيظهر أنّه مفيد جدًا. لكن الأمر لا يتعلق دائما بالمال فقط. في حالة حملات السلامة على الطرق مثلاً، من المثير للاهتمام بتلك الحملة مواجهة الفرد بالعواقب السلبيّة الناجمة عن سلوكه الخطير على عجلة القيادة.
هذه هي استراتيجيات التّخويف، والتي ليست كافية في حد ذاتها. لأنّه للقضاء على السلوك الضار، يجب أن تصل الصورة المروعة بالشكل الصحيح إلى الفئة المستهدفة. فنحن نعلم الآن أنّ السائقين الشباب هم الأكثر عرضة للخطر. ومع ذلك فقد أظهرت إيوني لويس، باحثة علم النفس في جامعة كوينزلاند للتكنولوجيا بأستراليا والمتعاونين معها بأنّ هؤلاء الأشخاص هم الذين يشعرون بالقلق الأقل من حملات الوقاية. فإنّه من الضروري معرفة الجمهور الذي تريد الوصول إليه.
ماذا نبيع من خلال التّسويق المجتمعي؟
يقدّم التّسويق الاجتماعي إطارًا يسمح باستخدام مبادئ وتقنيات التّسويق لجعل الجمهور المستهدف يقبل أو يرفض أو يعدل أو يتخلى عن السلوك بشكل طوعي”، وفقًا للتّعريف المقترح مؤخرًا، فالتّسويق المجتمعي نهج يختلف عن التّسويق التّجاري. الهدف هو الأساس وقبل كل شيء، حيث ينطبق على القضايا الاجتماعيّة والثقافيّة والبيئيّة والصحيّة. الهدف، إذًا. لا يوجد عمل تجاري هنا: إنّ تأثير السلوك يخدم الفرد الذي يتم تناوله وحتى المجتمع بشكل عام وليس مرسل الرسالة. يجب أيضًا إنشاء الطلب في حالات معينة (لإعادة التدوير، على سبيل المثال). وأخيرًا، فإنّ المنتجات “المباعة” أو التي يتم التّرويج لها محددة: فهي منتجات ملموسة (مثل المصابيح البيئيّة والإقتصاديّة وما إلى ذلك)، الخدمات (مثل الفحوص الطبيّة، على سبيل المثال)، والممارسات (اتباع نظام غذائي، وتوفير الموارد. أو أفكار أو أسباب (مثل حماية البيئة).
من تعزيز الصحة إلى حماية البيئة والدّفاع عن حقوق الإنسان، هناك العديد من مجالات التّطبيق للتسويق الاجتماعي اليوم. إذا لم نرغب في تخطي الهدف، فمن المستحسن أن تستخدم بدقة جميع مراحل عملية التّسويق: التّشخيص ودراسة المشكلة، دراسة أنواع الجمهور واختيار الجمهور المستهدف وتحديد المواقع (كيفية إيصال الرسالة)، تصور وتقييم الرسالة ، استراتيجية الإعلام والتخطيط، وأخيرًا متابعة الإجراءات المتخذة. كما يجب تشجيع الفرد على تغيير مواقفه وسلوكياته على أساس طوعي، بعد إدراك السلوك الموصى به على أنه أكثر فائدة من السلوك الضار المستهدف.
ربّما تكون هذه هي الاستراتيجية الأكثر فعالية اليوم عندما لا ترتبط الأهداف المجتمعيّة بشكل مباشر وفوري بالمصالح الشخصية للمواطنين.
المصدر: https://le-cercle-psy.scienceshumaines.com/le-marketing-social-peut-il-changer-la-vie_sh_30910
ترجمة بتصرف:سارة كبوش.
تدقيق لغوي: بوسيف ميّادة.