فلم V for Vendetta أيقونة الثورة والحب..

ڤي رمزًا للثأر (V for Vendetta)‏ (1)
يقول المخرج السينمائي الكبير مارتن سكورزي: “السينما الحقيقيّة هي القادرة على أن تمس قلوبنا وتنير بصائرنا، وتجعلنا نرى الأشياء بشكل مختلف مع كل مشاهدة“.

كلما حلت ليلة الخامس من نوفمبر، أول شيء يقفز إلى الذاكرة من الأعمال السينمائيّة التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بهذا التاريخ وتبصم على مقولة سكورزي بكل ثقة؛ هو فلم الخيال العلمي الملحمي “V for Vendetta”. الفلم الثلاثي الأبعاد أمريكي-ألماني-بريطاني من إخراج جيمس مكييغ James Mc Teigue لسنة 2006، والمقتبس عن رواية مصورة متسلسلة تحمل نفس الاسم (1982-1990) من تأليف الكاتب آلان مور ورسم دايفد لويد. بينما السيناريو من كتابة الأختين واكووسكي Wachowski صاحبتا سلسلة أفلام Matrix.
تدور أحداث الفلم في لندن حول ڤي الذي يحاول تغيير الواقع السياسي في الدولة لإحالة العدالة ونفي الفاشيّة وفي الوقت نفسه يسعى للثأر وحث الشعب على تقرير مصيره بيده.
ڤيV أيقونة ثورة أو مجرد متمرّد؟
ڤيV بلا هوية بلا وجه، يلبس قناع الثورة، قناع “فوكس غاي” الذي يرمز للثورة والحريّة، نبذ الظلم والتسلط بوجه باسم، تختلف حوله الآراء بين كونه أيقونة للثورة وبين أنّه متمرّد أراد إحالة الفوضى والفساد بمحاولة تفجيره لمبنى البرلمان في الخامس من نوفمبر 1605م في عهد الملك جيمس الأول للملكة البريطانيّة.

ڤي V هو رمز الشعوب المثالي، ببساطة لأنّه لم يكن بشرياً. فتحت ذلك القناع لا يوجد شخص شاب أو عجوز، ذكر أو أنثى، نحيف أو ممتلئ، فكل ما يوجد هناك في تلك الظلمة هي الفكرة. هذه الفكرة التي يمكنك أنتَ أو أنتِ أو أي شخص أن يتبناها مهما كان وضعه أو عرقه، وتلك هي فكرة الحريّة. ويمكنك تبني تلك الفكرة سواءً كنت حياً أو ميتاً، لأنّ الأفكار خالدة وستبقى ما دام النّاس يفكرون بها، ونفس الشيء ينطبق على البشر الذين خلدتهم أفكارهم.
” Beneath this mask there is more than flesh, Beneath this mask there is an idea, Mr. Creedy, and ideas are bulletproof. “
” تحت هذا القناع أكثر من مجرد لحم، تحت هذا القناع هناك فكرة سيد كريدي، والأفكار مضادة للرصاص”
كان يؤمن أنّ “الكلمات تبقى لها قوتها على الدوام، كلمات تجعل المعنى وسيلة وللمنتبهين هي تصريح بالحقيقة “، كان يؤمن بأنّ “الإنصاف، العدل والحرية أكثر من مجرد كلمات.. إنّها وجهات نظر”، فما الجدوى من الكلمات إن لم يكن لها قوة تغيير المصير؟ ألم يبدأ الخلق بكلمة وسينتهي بها أيضا! والأفكار ألم يكن مولدها كلمة ونموها بكلمة وشبابها وشيخوختها ووفاتها كلمة؟
خوفٌ و محاكاة:
ڤي V يؤمن بأنّ “الحكومة هي التي عليها أن تخاف شعوبها وليس على الشعوب أن تخاف حكومتها”، فكان يُحرّض الشعب على النهوض في وجه حكومته الفاشيّة التي لا تعترف بثقافة اختلاف ولا أقليات سواء عرقيّة، دينيّة أو جنسيّة، يوحدها شعار واحد “القوة في الاتحاد، الاتحاد في الإيمان” لكي يبقى الشعب تحت ظلهم ويمشي وفقاً لقوانينهم ورؤيتهم وكمحصلة لكل هذا كان “الخوف” يتسلل إلى كافة الشعب فلا يجرؤ أحد على عصيان الحكومة. فلا شعور يصيب الإنسان بالعجز أكبر من الخوف. فكانت رسالته تصرخ من خلال الشاشات في وجوه البشر “كفاكم خوفاً”.
فالمستشار _في الرواية يدعى بالمصير_ يستغل خوف النّاس من الإرهاب والتطرف والأمراض لكي يعزز من قوته. فهو يرسم صورة ثنائية للعالم، إمّا هو وحزبه وإمّا الفوضى التّامة والدمار. وهذا الشيء دفع الناس لمشاهدة سجون التّعذيب والقهر وهم صامتون فهم يضحون ببعض الامتيازات مقابل أمانهم. وفي هذا إشارة مباشرة ومحاكاةٌ للواقع من خلال الإجراءات المباشرة التي اتخذها الرئيس الأمريكي جورج بوش ضدّ المسلمين بعد أحداث 9\11 والتّعذيب في سجون أبو غريب وغوانتانامو، حيث يتم تعذيب كل من يعارض أو يشك أنّه يمكن أن يعارض أمن النظام.

ومحاكاةً لأحداث مؤامرة البارود الفاشلة التي أراد القيام بها فوكس غاي في الخامس من نوفمبر 1605 م. ڤي V أيضًا كان يسعى لتفجير مبنى البرلمان لا لأنّه مبنى حكومي بل كان يقول ” البناية مجرد رمز، تماما مثل تفجيرها،الرّموز تكتسب قوتها من الشعوب،الرمز لوحده لا معنى له. لكن بالتفاف قدرٍ كافٍ من الشعب تفجير بناية يمكنه تغيير العالم”.
ثنائية الحب والثورة:
ولأننا في عالم تحكمه الثنائيات، فإنّ V هو الثورة، و هو الانتقام والقصاص العادل. وهو الكائن الذي نصبوا إليه والذي لا يجب أن نكونه أبداً. فطوال الفلم وإلى الآن الناس تميل إلى التعاطف أو التماهي مع V بوضع قناعه وترديد مقولاته وهذا شيء جيد، ولكن البطل الحقيقي للقصة هي ايفي Evey الطرف الثاني للكفة. فهي من علينا أن نصبوا إليها ونقتدي بها. فهي تمثل نقيض V والأثر الجميل الذي تركه في هذا العالم. فـV الذي ولد في السجن تحت التعذيب والقمع والألم، لقد ولد في النار محملاً بالغضب والكره والرغبة بالانتقام والتدمير التي خلفت وحشًا لا يعرف طعمًا للرّحمة. أما ايفي فقد ولدت في الحب والرّعاية فعندما ولدت من جديد كانت محاطة حتى لو لم تكن تعلم بحب يحميها، والحب هو ما كان يحركها وعلى عكس V لقد ولدت في المطر لا في النار. حتّى لتحسب أنّ هناك رمزيّة خفية في هذين المشهدين، رمزية ولادة ملاك تحت المطر، وولادة شيطان تحت النار! بالإضافة إلى أنّ ايفي لم تنذر حياتها للتّدمير والانتقام بل للعيش والاستمتاع بالحياة حتّى أنّ الاسم اللاتيني Evey يعني الحياة.

فـV أدرك أكثر من أي شخص ما هي آفة الثورات الناجحة، إنّهم الثوار. فعندما تنتهي الثورة يعود الجميع لبيوتهم ما عدا الثوار الذين لا يعرفون معنى البيت والاستقرار، لا يعرفون شيئاً غير القتال والمقاومة. فإمّا يقاومون النظام الجديد أو يصبحوا جزءاً منه وبذلك يصبحون هم أدوات القمع الجديدة لأنّ القتال والحرب هي كل ما يجيدونه. لذلك سلّم V أمره لايفي، للجيل الجديد الذي ولد من رحم الحب والإخاء، الجيل الذي لن يضطر أن يمر بما مر به V ولن يضطر للتدمير والمقاومة بل عليه أن يعيش ويبني.
وحتّى الصوت فبينما صوت V جهوري قوي يخترق الأذن فصوت ايفي هادئ ومسطح ومبحوح في أحيان كثيرة.
بين خيال النص وواقع الصورة:
بالإضافة للإتقان المذهل لمشاهد القتال والحركة والتي لا يماثلها شيء سوى الحبكة الدراميّة المثاليّة في الفلم فهذا الفلم يحوي توازناً مدهشاً بين الأكشن والدراما وكذلك الاستخدام الأمثل للموسيقى. “ثورة بلا رقص، هي ثورة لا تستحق القيام ” كما يقول V ، فمع كل عملية تفجير جديدة تصدح الأبواق بموسيقى “إفتتاحيّة تشايكوفسيكي ” الملحمية 1812.
إلى جانب هذا لا ننسى ما ساهم في تكامل هذه التحفة الفنيّة ألا و هو التمثيل المتميز للشخصيات خاصة الثنائي هوغو ويفينغ صاحب الصوت الجهوري والارتجالات الجاهزة بدور ڤي و ناتالي بورتمان بدور إيفي التي جسدت الدور بتفانٍ وفازت على إثره جائزة زحل لأفضل ممثلة 2006 (Saturn Award for Best Actress)‏ وهي من فئة الجوائز السنويّة والتي تمنحها أكاديمية الخيال العلمي والفنتازيا وأفلام الرعب.
سطور أخيرة:
في الافتتاح والنهاية لُخِصت كل الحكاية:
“لُقِنا أن نتذكر الفكرة، لا الرجل، لأنّ الرجل قد يفشل يمكن أن يقبض عليه، يمكن أن يقتل ويندثر. لكن بعد 400 سنة الفكرة ما زال بمقدورها أن تُغيّر العالم، شهدت بجلاء قوة الأفكار، رأيت ناساً يقتلون باسمها.. ويموتون دفاعا عنها، لكن ليس لك أن تقبل الفكرة ؛ ليس لك أن تُلامسها أو تضمها الأفكار لا تنزف لا تشعر بالألم، لا تعرف الحب.. وليست الفكرة هي ما أفتقده، بل الرجل، الرجل الذي جعلني أتذكر الخامس من نوفمبر “
“REMEMBER, remember the Fifth of
November “
ڤي V في الحقيقة هو كل من يناشد حريته.. أنا وأنت هو وهي هم وهن، نحن جميعنا إذا ما صودرت حرياتنا. إنّ هذا الفلم هو مزيج من الإثارة والعقلانيّة فهو دعوة إلى النهوض والمشي، إلى ارتداء الأقنعة. والأهم من كل ذلك إلى تذكير الحكومات أنّ الشعوب موجودة وأنهم أحياء.
فهذا الفلم عبارة عن ثورة ضدّ جميع الأنظمة القمعيّة والتسلطيّة، ودعوة للنّاس للتفكير بأنفسهم وعدم تسليم عقولهم ببساطة للإعلام والسياسة والدين وهي الأدوات التي يستعملها وإستعملها وسيستعلمها النظام على الدوام للتلاعب بالشعوب. هو دعوة أيضًا إلى احترام الآخر أياً كان دينه ومذهبه وتوجهه الجنسي وهويته الجنسيّة ورأيه السياسي ونمط حياته الذي يختاره. بالمختصر إنّه دعوة للثورة ضدّ كل من يحاول أن يقيّد الرّوح البشريّة ويفرض آراءه فوقها.
ذلك أن ” الفنانون يستعملون الأكاذيب لقول الحقيقة، والسياسيون يستعملونها لطمس الحقيقة “
بينما في حقيقة الأمر كما قالت فالري في رسالتها : “أنّ نزاهتنا أحقر ما يؤخذ بعين الاعتبار، لكنها كل ما نحوزه بالواقع، إنّها آخر شبر منا، ولكن بقرارة ذلك الشبر نحن أحرار “
تساؤل ختامي:
بعد مشاهدة الفلم تبقى بعض الأسئلة التي تراودك عن نفسها: هل يمكن تبرير الأعمال الوحشية باسم هدف أسمى؟ ولماذا ننجذب عادة لتلك الشخصيات التي تحب أن تحيل العدالة بنفسها_كڤي و الجوكر مثلاً_حتى ولو كان ذلك على حساب حياة البشر والقتل وربما الفساد والفوضى أيضاً؟
في مقابلة لكاتب السلسلة آلان مور ردًا على هذا السؤال يقول: “السؤال الجوهري هو، هل هذا الشخص على حق؟ أم أنه مجنون؟ أيها القارئ، ماذا تعتقد في هذا الأمر؟ هذا ما يدهشني كحل فوضوي سليم. ولم أكن أريد أن أخبر النّاس كيف يفكرون، إنّما أردت أن يفكروا ويضعوا بعين الاعتبار بعضاً من هذه العناصر المتطرفة والصغيرة والتي مع ذلك تتكرر بشكل منتظم إلى حدٍ ما طوال تاريخ البشرية “.
وأنت ما رأيك عزيزي المشاهد/القارئ باعتبارك قد أصبحت طرفًا في المعادلة ؟


هوامش:
(1) في رمزًا للثأر V for vendetta، حرف V يعبر عن كلمة الثأر باللغة الإيطالية Vendetta؛ وفي نفس الوقت هو الرقم 5-V في الرموز الرومانية القديمة نسبةً الى الخامس من نوفمبر . في أول مشهد ظهور لشخصية V في الفلم والذي كان أوسكاريًا بحق ؛ ألقى خطابًا تبدأ كل كلماته بحرف V ؛ وهو في الأصل عبارة عن تجميع لعناوين فصول الرواية المصورة المقتبس منها الفلم
https://youtu.be/4KYfTRe1pC4 .

إعداد: سجاد ثائر وقيس العايب.
تدقيق لغوي: ميّادة بوسيف.

كاتب

الصورة الافتراضية
Laib Kaisse
المقالات: 0

اترك ردّاً