عاشت ماري بيكر إيدي (1821 – 1910) حياة طويلة مليئة بالأحداث، كمعلمة ومعالجة، مؤلفة كتبت عن الصحة والمسيحيّة، متحدثة عامّة ومؤسسة وقائدة لحركة دينيّة، وناشرة لصحيفة دوليّة. كانت رائدة في جميع هذه المجالات، والتي كانت إنجازاتها استثنائيّة بشكل خاص، بالنظر إلى الدور المتوقع من المرأة آنذاك.
الإحباطات التي صنعت ماري بيكر إيدي:
ولدت ماري بيكر وترعرعت في مدينة بو نيو هامبشاير اﻷمريكية (Bow, New Hampshire) لأسرة من المزارعين الذين كانوا بروتستانت متدينين. تزوجت من جورج جلوفر في عام 1843 وسافرت معه لتعيش في ولاية كارولينا الشماليّة حيث كان لديه عمل تجاري. في العام التالي توفي زوجها من الحمى الصفراء، عندما كانت ماري حامل في شهرها السادس.
بعد تسوية شؤون زوجها المتوفي، تُركت مفلسة فعليًا ولديها طفل لإعالته. كأم عزباء بالإضافة إلى صحتها المتدهورة منذ طفولتها لم يكن لديها سوى القليل من الخيارات وعادت للعيش مع والديها. تزوجت للمرّة الثانية من دانيال باترسون طبيب أسنان في وقت لاحق لكن الزواج انتهى بالطلاق.
خلال زواجها من باترسون استمرّت ماري في النضال مع مرض مزمن كان غالبًا ما يحصرها في سريرها. سعت إلى الراّحة في العديد من العلاجات البديلة آنذاك، مثل العديد من معاصريها لتجنب العلاجات القاسية للطب التقليدي في القرن التاسع عشر وآثاره الجانبيّة. استمرت في طلب الرّاحة والشفاء من الكتاب المقدس ليس فقط لنفسها ولكن أيضًا لمن حولها من المرضى.
في عام 1862 طلبت ماري المساعدة من المعالج الشهير فينياس كويمبي. 1
ماري بيكر إيدي مكتشفة العلوم المسيحيّة:
في رحلة علاجها مع المعالج كويمب،ي والنقاش الذي دار بينهما أدى إلى إلهامها لطريقتها الخاصّة في العلاج تحت اسم العلوم المسيحية، ادّعى خصومها أنّ ماري اكتسبت أفكارها عن العلوم المسيحية في هذه الفترة من أوائل ستينيات القرن التاسع عشر، وأنها ببساطة سرقت أفكار كيمبي وأعادت تسميتها.
هذه الافتراءات ترددت حتّى بعد موتها وخاصة في عالم سيطر عليه الذكور في كل المجالات لكن استناداً إلى فحص الوثائق المعاصرة لها خلصت إلى أنّ أسلوب كويمبي مختلف عن أسلوب ماري، فهو يعتمد إلى حد كبير على شخصيته القويّة وتدريبه على التنويم المغناطيسي بدلاً من بعض المبادئ الإلهيّة، التي شعرت ماري أنها تكمن وراء عمل يسوع الشافي.
وعبّرت عن هذا الكاتبة والأكاديميّة اﻷمريكيّة جيليان كاثرين جيل (Gillian Gill) في كتابها سيرة ماري:
“أنا الآن مقتنعة تمامًا بعد أن نظرت في جميع الأدلة التي يمكن أن أجدها في المصادر المنشورة والمصادر الأرشيفيّة، أن أشهر كاتبي السيرة الذاتيّة للسيدة إيدي، قد استهزأوا بالأدلة وأظهروا تحيزًا متعمدًا في اتهام السيدة إيدي بسبب نظريتها في الشفاء لكيمبي وانتحال أعماله غير المنشورة”.
بالنسبة إلى ماري يُعزى “اكتشاف” العلوم المسيحية إلى تجربة غيرت الحياة، والتي حدثت بعد وقت قصير من وفاة الطبيب كيمبي. في عام 1866 تسبب سقوطها الشديد على رصيف جليدي في وضعها في الفراش في حالة حرجة. وبينما كانت تقرأ رواية عن شفاء يسوع في الكتاب المقدس، وجدت نفسها على ما يرام فجأة. في فيفري 1900 كتبت ماري:
“أستطيع أن أنظر إلى الوراء وأرى أنّه في وقت وقوع الحادث، على الرّغم من أنني لم أكن أؤمن بالطب… كان لدي إيمان بأن الله يمكن أن يرفعني. ومن هنا كان تأثير الكتاب المقدس الذي قرأته والذي عزز إيماني ونتائجه على اكتشافي”.2
ماري بيكر إيدي تؤسس الكنيسة اﻷم:
لم تستطع ماري أن تشرح للآخرين ما حدث، لكنها عرفت أنه نتيجة لما قرأته في الكتاب المقدس. أدى ذلك إلى تسع سنوات من الدراسة الكتابيّة المكثفة، ونشاط الشفاء والتعليم وبلغت ذروتها بنشر كتابها العلوم والصحة عام 1875 (Science and Health with Key to the Scriptures). في هذا الكتاب حددت ما فهمته على أنّه “العلم” وراء طريقة الشفاء التي اتبعها يسوع. كما رأت كانت أعماله طبيعيّة بشكل إلهي وقابلة للتكرار.
“نُشر كتاب العلوم والصحة لأول مرّة عام 1875 وقرأه أكثر من ثمانية ملايين شخص، وله تاريخ يمتد 119 عامًا من الشفاء والإلهام. لجذب جمهور جديد، تحتوي رسالة الشفاء العريقة هذه على غلاف جديد قوي وتخطيط صفحة سهل القراءة وفهرس للكلمات. تم اختياره كواحد من 75 كتابًا من تأليف نساء غيرت كلماتهن العالم. “3
بدأت ماري تعليم نظام الشفاء للآخرين، وفي عام 1877 تزوجت من أحد طلابها آسا جيلبرت إيدي. في عام 1879 عندما رفضت الكنائس المسيحيّة القائمة كتابها وأفكارها، حصلت ماري بيكر إيدي (كما تُعرف الآن) على ميثاق لكنيسة المسيح مع مهمة “إحياء ذكرى كلمة سيدنا وأعماله التي يجب أن تعيد المسيحيّة البدائيّة وعناصرها المفقودة من الشفاء”.
في عام 1894 تم تشييد أول مبنى للكنيسة في بوسطن (الكنيسة الأم) والتي أصبحت الآن مركز الكنيسة لحركة دينيّة دولية. ترتبط بالكنيسة جمعية نشر (تأسست عام 1898). عندما كانت تبلغ من العمر 87 عامًا، ردا على الصحافة المثيرة، بدأت ماري صحيفة (The Christian Science Monitor) تحت شعار “لا تؤذي أي إنسان، بل تبُارك البشرية جمعاء “. هذه الصحيفة التي فازت منذ ذلك الحين بعدد من جوائز بوليتزر، ولا تزال موجودة حتّى اليوم.4
يُنظر إلى حركة العلوم المسيحية بشكل متزايد على أنّها سابقة لتطور النسويّة في العالم الديني. على الرغم من أنّ إيدي لم تكن “نسويّة”، فمن الواضح أنّها “متحررة”، بتعيين نساء قويات في مناصب قياديّة رئيسيّة، وعلّمت أنّ المساواة الروحيّة بين الرجال والنساء يجب أن يكون لها آثار سياسيّة واجتماعيّة. لا تزال شخصية مثيرة للجدل للغاية، لكن العلماء منذ الستينيات نجحوا في تحدي التصورات السلبيّة للنقاد الأوائل وكتّاب السير الذاتيّة.5
المصادر:
- https://www.womenshistory.org/education-resources/biographies/mary-eddy
- Hall, Irene. “Mary Baker Eddy and Christian Science.” Feminist Theology 16.1 (2007): 79-88.
- https://www.goodreads.com/book/show/779511.Science_and_Health_with_Key_to_the_Scriptures
- Hall, Irene. “Mary Baker Eddy and Christian Science”.
- https://www.britannica.com/topic/Christian-Science
تدقيق لغوي: ميّادة بوسيف.