“عندما تحترق غابة في حريق هائل، هل نتوقع منها أن تعود إلى الشكل الذي كانت عليه من قبل؟” طرح عالم الأبحاث جوناثان كوب وفريقه هذا السؤال. إنه يعالج معضلة حرجة في علم البيئة، كيف تتعافى النظم البيئية من الاضطرابات ولماذا؟
من الناحية التاريخية، طور علماء الغابات نماذج متعاقبة، وهي عبارة عن جدول زمني لعودة بعض الأنواع الحية إلى البيئة بعد حدوث اضطراب ما، مثل حرائق الغابات. نتوقع أن تعود النباتات المحبة للشمس وسريعة النمو أولا، ثم تليها الأنواع بطيئة النمو التي تتحمّل الظل. ولكن مع تغير المناخ وبالتالي وجود اضطرابات غير متوقعة، قد لا تكون النماذج المتعاقبة دقيقة. سيحتاج العلماء إلى نماذج جديدة للتنبؤ بدقة بالتعافي البيئي بعد الكوارث.
العديد من أنواع الأشجار في غابات أمريكا الشمالية الغربية متكيّفة مع الحرائق، هذا يعني أنه لديها سمات معيّنة تسمح لها إما بالبقاء على قيد الحياة أو التعافي بسرعة كبيرة بعد الحريق. بشكل عام، هذه المجتمعات قادرة على الصمود في وجه حرائق الغابات والتعافي منها. ومع ذلك، قد يعمل هذا الصمود فقط عندما تحدث الحرائق بكثافة وتواتر معيّنين، يسمى “نظام الحريق”. مع تغير المناخ، تتغير أنظمة الحرائق وقد لا تتكيّف هذه الأشجار -القابلة للتكيف مع الحرائق- مع ما هو قادم.
وبالتالي، عندما يحدث حريق، فإن المجتمع الذي ينمو مرة أخرى بعد الحريق يختلف عن المجتمع قبل الحريق. هذا يسمى ‘التحويل’. هناك خطوتان تؤديان إلى تحويل الغابة بالحريق. الأول هو أن الغابة يجب أن تحترق في حريق شديد الخطورة يزيل مساحات كبيرة من الغطاء النباتي. بعد ذلك، يجب إعاقة آليات التعافي: إما بسبب نقص البذور المتاحة، أو حرق الأخرى، أو مناخ غير موات، أو عوامل أخرى تمنع البذور من النمو.
توقيت حدوث الحرائق مهم
الآلية الأولى هي تغيير نظام الحريق، مما يعني أن توقيت الحرائق وشدتها قد تم تغييرهما عن القاعدة التاريخية. في العصر الحديث، تحترق الغابات في غرب أمريكا الشمالية عبر مساحة أكبر، هناك المزيد من الحرائق، وزاد متوسط حجم الحرائق. من المحتمل أن تكون هذه التغييرات مدفوعة بتغير المناخ، وزيادة الاشتعال البشري، وتراكم الوقود في الغابات حيث تم إخماد الحرائق بنشاط لعقود. هذه الزيادة في المساحة المحروقة تخلق حاجزا أمام البذور، لأن البذور من المناطق غير المحترقة يجب عليها أن تنتقل لمسافات أبعد بكثير من أجل إعادة الاستعمار/الاستقرار. عندما تكون منطقة الحرق أصغر، فإنها تشبه تسجيل نقطة من خط الرمية الحرة، هي صعبة ولكن يمكن التحكم فيها (إذا كنت جيدا في كرة السلة). قم بزيادة مساحة الاحتراق بالنار وتحاول البذور فجأة تسديدة من نصف الملعب وتقل احتمالية النجاح بشكل كبير.
كبر المساحة المحروقة يزيد من احتمال أن تكون المنطقة قد حرقها مؤخرا، وتسمى هذه العملية “إعادة الحرق”. في عام 2020، تحدث إعادة الحرق أثناء حرائق الغابات في شمال كاليفورنيا. لقد تم بالفعل حرق جزء كبير من المنطقة التي اشتعلت فيها النيران الحالية خلال السنوات القليلة الماضية. هذا يمنع الأنواع المتعاقبة المتأخرة (محبة الظل، بطيئة النمو) من أن تتأسّس ولا يسمح للمنظر الطبيعي بالوصول إلى حالة ما قبل الحريق مما يؤدي إلى “التحويل”.
يصبّ تغير المناخ الوقود فوق النار.
يعد تغير المناخ أيضا من الآليات الأساسية التي تتسبب في تحول الغابات عبر تغيير بيئة المساحات الخضراء قبل الحرائق وبعدها. فمع مناخ أدفأ وأكثر جفافاً تصبح الأشجار عطشى وجافة وأكثر احتمالا بأن لا تنجو من الحرائق. ويحدث الأثر التعاقبي عندما لا تعود الشجرة الميتة منتجة للبذور ولا تستطيع المحافظة على كثافة عدد الأشجار بعد الحرائق. بالإضافة إلى ذلك، فإن البذور المتوفرة بعد الحريق قد لا تكون قادرة على النمو في ظل المناخ الحالي.
ربما تكون قد رأيت شخصيا تأثيرا مماثلا إذا كنت قد حاولت مسبقا إعادة زراعة نباتات منزلية. أُنمي نباتاتي في بيئة داخلية لطيفة حيث درجة حرارة ورطوبة مناسبتين. بعدها، أُحاول إعادة زراعتها في الخارج حيث شمس الصيف الحارقة. إلا أن هذه النبتة المسكينة غير متكيفة مع هذه البيئة الجديدة وسرعان ما تذبل وتموت. الأمر نفسه قد يحدث مع الأشجار التي بدورها غير متكيّفة مع ظروف المناخ الحالي.
تقود الحرائق الأكبر والأكثر توتراً إلى تغيير في النباتات التي تنمو، وغالبا تلك النباتات التي تنمو الآن في الغابة، أكثر عرضة للحرائق! وتغييرات كهذه تخلق دورة من الحرائق المستمرة وغطاء نباتي ذو قابلية اشتعال عالية. إذا كان هنالك شيء يمكن أن يحد من حرائق مستقبلية كالانتقال إلى أنواع أقل قابلية للاشتعال، فإن هذا قد يوقف دورة الحرائق المستمرة مؤقتاً. و مع ذلك، هذا حل مؤقت في الغالب ويمكن للدورة أن تعيد نفسها إذا كان المناخ ملائماً لإشعال حريق.
التطلع إلى المستقبل
إن العوامل التي تحدد كيفية تعافي الغابات من الحرائق معقدة، لكن يعتقد صاحب هذه الدراسة بأن العديد من غابات شمال أمريكا معرضة لخطر التحول إلى نوع آخر من المواطن. يوجد طرق تساعد الغابات على التعافي إلى وضعها في مرحلة ما قبل الحرائق عبر معالجة أسباب تحولها.
الأولى هو عن طريق مساعدة النباتات على النمو مجدداً بعد الحريق. يمكن للمجتمعات جلب نباتات من مشاتل محلية أو بعثرة البذور في المساحة الطبيعية بعد الحريق. للأسف، فإن البذور والنباتات الصغيرة ستموت أيضا إذا تعرضت المنطقة للحرائق مرة أخرى. بالتالي، علينا تطوير طرق تمنع الحرائق من الاشتعال في المنطقة نفسها مرات عدة في فترة قصيرة من الزمن. وبالرغم من عدم تطوير طرق منيعة بشكل تام بعد، إلا أن البحوث مستمرة.
وفي الصميم، علينا معالجة تغير المناخ. فعبر تخفيض متوسط درجة حرارة الكوكب، فإننا نقلل من فرصة المناخ القاسي الذي يعزز من الحرائق. كفرد، يمكنك أن تقدم أفضل ما في وسعك لتأكيد أن لا يشتعل الحريق في المقام الأول: عبر إخماد نار التخييم، وعدم القيادة على عشب ميت، وتجنب الشعلات غير الضرورية. وإحدى الآليات الأُخرى لمنع تحول الغابات هي الحرائق المقررة. وهي حرائق يشعلها متخصصون في منطقة محددة ومسيطر عليها بشكل كبير . ويلجأ إليها عادة لتقليل كمية الوقود الأمر الذي يضعف حرائق الغابات المستقبلية.
تحتاج الغابات إلى أن تحترق. فالحرائق عملية أساسية للنظام البيئي وتعتمد العديد من الأنواع على الحرائق لخلق الموطن الذي تحتاج إليه للعثور على الطعام والمأوى. والأمر المهم هنا هو أن الحرائق الحديثة كبيرة جدا وكثيرة التوالي وهذا لا يسمح للغابات بالتعافي وخلق الموطن الذي تعتمد عليه معظم النباتات والحيوانات.
ترجمة: عمر دريوش وسماح صلاح