بطاقة فنية عن الكتاب:
الكاتب: إيريك هوفر
المترجم: د. غازي بن عبد الرحمن القصيبي
الناشر: هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث
الطبعة: الأولى -2010
عدد الصفحات:242
عن الكاتب:
لقد كان إيريك هوفر(1898-1983)، حمال بضائع في ميناء، منقب عن الذهب وفيلسوف. يعتبر هوفر من أقرب الفلاسفة أو المفكرين للطبقة العاملة والبسيطة فهو ولد في هذه الطبقة وبقي أغلب حياته بين أفرادها وبسبب قربه منهم لقبه البعض بالفيلسوف الحمال. عندما كان في السابعة من العمر تعرض لحادث أدى إلى أصابته بالعمى وفي الخامسة عشرة أستعاد بصره ولخوفه من عودة العمى قام بالقراءة بنهم شديد، تحضراً لأي طارئ.
عن الكتاب:
“عندما يثور الناس في مجتمع ديكتاتوري، فإنهم لا يثورون على ظلم النظام، بل على ضعفه”
يتناول هذا الكتاب الحركات الجماهيرية- سواء أكانت هذه الحركات دينية، اجتماعية، أو سياسية، وفي وقتنا الحاضر يمكن إضافة الحركات الإنسانية الخيرية- بالتحليل والتفسير.
يبدأ القسم الأول من الكتاب في فصوله الثلاثة بتفسير سبب جذب الحركات للجماهير. فكما يبين أن الناس لا ينجذبون للحركات لأجل الحركات ذاتها بل ينجذبون لأنهم يجدون فيها نوعَ النظام والثبات الذي قد غاب من الدولة أو السلطة الاجتماعية كالعائلة والعشيرة والعرق. فكلما تفككت الدولة وضعفت وتفسخت الروابط الاجتماعية بين البشر زادت رغبتهم بالعثور على أي حاضنة تستقبلهم. وهنا يبدأ الصراع بين الحركات ذاتها على كسب الجماهير. ورغم اختلاف الحركات يشدد هوفر على أنها في الحقيقة متشابهة جميعاً من الداخل وتستخدم نفس الأساليب لجذب الحشود لصالحها.
يرى الإنسان المحبط عيباً في كل ما حوله ومن حوله، وينسب كل مشكلاته إلى فساد عالمه، ويتوق إلى التخلص من نفسه المحبطة وصهرها في كيان نقي جديد. وهنا يجيء دور الجماعة الثورية الراديكالية التي تستغل ما ينوء به المحبط من مرارة وكراهية وحقد، فتسمعه ما يشتهي أن يسمع، وتتعاطف مع ظلاماته، وتقوده إلى الكيان الجديد الذي طالما حن إلى الانصهار فيه. من هذا اللقاء الحاسم بين عقلية الفرد المحبط الضائع وبين عقلية القائد الإجرامية المنظم ينشا التطرف، ومن التطرف ينبت الإرهاب.
في القسم الثاني المكون من ثمانية فصول يحاول الكاتب تبيان الفئات الاجتماعية المرشحة للانضمام للحركات الجماهيرية. على قائمة هؤلاء هم الفقراء. ليس الفقراء جداً فهؤلاء الذين يكابدون حرفياً للعثور على عيشهم اليومي يكونون عادة خائفين من التغيير، ولكن الفقراء الأقرب للطبقة الوسطى هم الأعضاء الفاعلين فهم يسعون للصعود في مرتبتهم الاجتماعية وتدمير النظام الاجتماعي الذي أجبرهم على الفقر.
إن الصراع اليومي للبقاء على قيد الحياة يحفز على الجمود، لا على التمرد.
بالإضافة للفقراء هناك المبدعين الفاشلين وهم الكتاب والرسامين وما شاكلهم الذين لا يملكون موهبة حقيقية. فهم يملكون روح الفنان لكن من دون قدراته. هم يسعون للتماهي مع أي كيان يضفي على حياتهم معنى يساوي المعنى الذي يمنحه الفن لمبدعيه. الأقليات والملونون والمجرمين أيضا وجبة دسمة للحركات فأول أثنين يسعون جاهداً للاندماج مع المجتمع واعتبارهم مواطنين “طبيعيين” بأي طريقة ممكنة، أما الأخير فيحاول عن طريق الانضمام للجماعة الحقة والتمسك بها التكفير عن الشرور التي جلبها إلى هذا العالم.
كل هذه الفئات تحاول بشكل واعي أو غير واعي أن تهرب من واقعها الذي فُرض عليها ومن كيانها العاجز لكي تتماها مع كيان خالد وقوي. كيان يوفر علينا عناء البحث عن الذات والأسئلة من قبيل: من أنا؟ ما هدفي في الحياة؟ ما هو الشيء الصحيح فعله؟ فالحركات الجماهيرية تجذب كل أولئك الجبناء الذين يخافون أن يفكروا لوحدهم ويعيشوا باستقلالية. إنها توفر الثبات في عالم مضطرب.
كلما استحال على الإنسان أن يدعي التفوق لنفسه، كلما سهل عليه يدّعي التفوق لأمته، أو لدينه أو لعرقه، أو لقضيته المقدسة.
يتكون القسم الثالث من ثلاثة فصول. يحاول الكاتب في هذا الفصل شرح العقلية الجمعية التي تحرك الجموع وكيفية التحكم بالأفراد والسيطرة عليهم. أن للحركات الجماهيرية هدفان: قتل الفرد ككائن مستقل، تعزيز روح الجماعة والتآخي. ويتم ذلك حسب رأي الكاتب بعدة طرق. فالجماعة تهدف إلى احتقار الحاضر والواقع الذي يعيشه الفرد لكي تأكد له أن حياته في هذا النسيج الاجتماعي عقيم وغير منتج. بذلك يصبح الفرد مستعداً للتماهي بصورة تامة مع الجماعة وفقدان أي حساس بالاستقلالية الذاتية. فالفرد داخل الجماعة قد هرب من ذاته أصلاً لكي يشترك في كيان أعظم، كيان مكون من جميع الأشخاص الذين يشتركون معه في إيمانهم الرئيسي. بهذا يصبح الفرد مستعداً “للشهادة” في سبيل الجماعة فالشهادة تختلف عن الموت. في الموت ينتهي كل شيء أما في الشهادة فإن الشهيد يبقى حياً ما دامت الجماعة باقية فشهادته مجرد مساهمة في هذا الكيان العملاق. وهذا الشيء هو أحد أقوى الأساليب التي تستعملها الحركات المتطرفة في دفع أعضائها نحو الأعمال الانتحارية.
تستطيع الحركة الجماهيرية أن تجتذب أتباعاً وتحتفظ بهم، لا لأنها تلبي الحاجة إلى تطوير الذات، ولكن لأنها تلبي الشوق إلى الخلاص من الذات.
وطريقة أخرى لتحريك الجماهير هي الكراهية. فالكراهية ربما تكون أحد أقوى المحركات في تاريخ البشرية على الإطلاق. فمن واجب الحركات إن كانت تريد أن تنجح أن تخلق لها شيطانا وهذا شيء إلزامي لا تستطيع أي حركة تجاوزه. هذا الشيطان سيكون مسئولا عن كل سوء في العالم، وتتمحور الحركة حول كيفية منعه من تدمير العالم. وبصورة عكسية يتناسب الشيطان مع القائد فكل شيء يملكه قائد الجماعة يفقده الشيطان. فإن كان القائد شجاعاً فالعدو”الشيطان” جبان. وإن كان العكس فالقائد حذر والعدو متهور مغرور.
تستطيع الحركة الجماهيرية أن تبدأ وتنتشر دون أن تؤمن بالله، ولكنها لا تستطيع أن تفعل ذلك دون الإيمان بالشيطان.
من أين تأتي هذه الكراهية غير المنطقية ولماذا تتحول إلى عامل توحيد؟ إنها تعبير عن محاولة يائسة من جانبنا لإخفاء شعورنا بالنقص، أو بقلة أهميتنا، أو بالذنب، أو بأي عيوب أخرى تنبع من داخلنا. يتحول احتقار النفس هنا كراهية للآخرين. مع محاولة مستميتة لإخفاء هذا التحول.
يتناول القسم الأخير والمكون من أربعة كيفية نشوء الحركات وبقائها من ناحية صفات قادتها وكيفية تعاملهم مع الواقع ويمكن اختصارها بهذا الاقتباس:
“باختصار، الحركة الجماهيرية يخطط لها رجال الكلمة، ويظهرها إلى حيز الوجود المتطرفون، ويحافظ على بقائها الرجال العمليون.
في النهاية هذا الكتاب مهم لكل شخص يحاول أن يفهم الحركات الدينية والسياسية التي تنشأ بشكل مطرد في مجتمعنا العربي في السنوات الأخيرة وليس بالضرورة الحركات المتطرفة. فالكتاب يحوي الكثير من الأفكار الرائعة والصالحة إلى يومنا هذا على الرغم من أنه نُشر في خمسينيات القرن الماضي. فالكتاب تعرَّض لنفسية الجماهير ودوافعها ودور الاعلام ونظرة الجماهير إلى القادة والأشياء التي يرغبون بسماعها وما يحركهم وغيرها. وكل ذلك بأسلوب سهل وبسيط نتيجة الترجمة العبقرية للدكتور غازي بن عبد الرحمن القصيبي.
“لا تريد الجماهير حرية الضمير، ولكنها تريد الإيمان، الإيمان الشامل الأعمى”.
تدقيق لغوي: بشرى بوخالفي