ولد والت ويتمان (1819-1892) في 31 أيار 1819، لعائلة كبيرة من الطبقة العاملة في جزيرة لونغ آيلند. على أية حال، قامت عائلته بالانتقال إلى مدينة بروكلين النامية عندما كان يبلغ من العمر أربع سنوات فقط. وفد أنهى تعليمه المدرسي بحلول عامه الحادي عشر وبدأ بعدها العمل كعامل يدويّ. كان يعمل كفتى مكتب لصالح مجموعة من محامين البارزين في بروكلين وهو أول عمل ذو مردود مادي له. قد وفر له هذا العمل اشتراكاً في إحدى مكتبات الإعارة¹. ومنها أصبح ويتمان قارئاً نهماً، وقد كان يزور متحف المدينة بشكل متكرر، واستطاع تعليم نفسه مختلف المواضيع عن طريق المصادر العامة التي توفرها مدن أمريكا متسارعة النمو. وقد جرب مختلف أنواع الأعمال في فترة حياته كبالغ: مدرس, طابع, وككاتب مساهمٍ في عدد من المجلات والجرائد في مختلف أنحاء الولايات المتحدة. ناهيك عن تطوعه كممرض بين الجرحى والمصابين أثناء الحرب الأهلية الأمريكية (1861-1865) في المستشفيات التي تقع على الخطوط الأمامية. وقد أثرت هذه التجربة على قصائده فترة الحرب “قرع الطبول” “ Drum Taps (1865)” وعلى سيرته الذاتية “عينات الأيام”Specimen Days (1882).
أوراق العشب
جُمعت أعمال ويتمان الشعرية في مجموعة بعنوان “أوراق العشب”. وكانت هذه الأشعار في توسع وتطور دائم؛ فبعد نشره في 1855، تمت إعادة طباعته في ستة طبعات مختلفة لأن ويتمان استمر بمراجعة وتنقيح المجموعة حتى موته عام 1892.
يعكس عنوان “أوراق العشب” محتويات القصائد التي يحتويها الكتاب؛ لأن ويتمان يستخدم لفظة “أوراق” كنوع من التورية اللغوية لكي يرمز إلى الطبيعة وإلى صفحات النص المطبوع. وهذه التورية تمثل الحسية الشعرية المتغلغلة في صفحات الكتاب، المهتمة بالكيانات المادية أو الواقعية مثل الجسم البشري.
فاستخدام الجسمانية واضح من خلال الصور التشريحية التي يستخدمها ويتمان في قصائد مثل “أغني بقلب مشحون”‘I Sing the Body Electric’ و”أغنية نفسي” ‘Song of Myself. مبتعداً عن النموذج القياسي للوسط الثقافي لذلك الزمن، فقد هيّج وأقلق القيم الفيكتورية الأمريكية. وذلك لمزجه بين التشريح البدني والشعر والاستخدام الدائم للإيحاءات الجنسية في شعره.
لم تكن استخدامات ويتمان للجنس أو التشريح هي الشيء الوحيد الذي أزعج النقاد في شعره. إن ابتعاده عن الشعر التقليدي عن طريق تبنيه للشعر الحر والكلمات الأمريكية العامية، شيء اعتبره الكثير من القراء مقلقاً وراديكالياً.
عانى ويتمان في 1873 من سكتة دماغية، وانتقل إلى كامدن في نيوجيرسي. وقد زار أوسكار وايلد ويتمان في 1882 بِـكامدن حيث تشارك الاثنان كأساً من نبيذ الخمان. وبعد ذلك صرح وايلد “ليس هناك شخص أحبه وأقدره في عالم أمريكا الفسيح بقدره”.
توفي ويتمان في السادس والعشرين من مارس، عام 1892. كان شعره مؤثراً بشكل كبير مُحدثاً ثورة في البناء الشعري باستخدامه الشعر الحر واحتفاءه بأشياء اعتُبرت عاديةً سابقاً. نوقشت أعماله من قبل الكثير من معاصريه في نهاية القرن التاسع عشر وما بعده. أثنى د.ه. لورنس على أعمال ويتمان وعلى تصويره للروح ككيان مادي يوجد داخل الجسم البشري، وقام روبرت لويس ستيفنسن بقراءة ومراجعة أشعار ويتمن.
كتب جيرالد مانلي هوبكينز في رسالة لصديقه روبيرت بريدجس في الثامن والعشرين من شهر أكتوبر عام 1882، أنه يدرك التماثل بين أسلوب ويتمان الشعري وبين أسلوبه، والطبيعة الصعبة والمزاج المتناقض الذي جعل معاشرته غير مريحة لمن حوله:
“لقد عرفت في قلبي أن عقل والت ويتمان يشابه عقلي أكثر من أي شخص أخر على الإطلاق. وهذا ليس بالاعتراف السهل نظراً لكونه وغداً عظيماً”.
1-نوع من المكتبات التي انتشرت في القرن التاسع عشر وقد كانت تقوم على مبدأ إعارة الكتب مقابل مبالغ رمزية. مما جعلها مثالية لذوي الدخل المحدود.