لقد استيقظت للتو…!

لقد استيقظت للتو…

أعين مشدوهة لا يمقِلها عِتاب؛ مِن انغماس رموش أبت أن تغفر لها أوزار ما رأت!

تحرُسني سرية مِن الأبدال -وهُم الذين أُعطوا قُدرة على التشكُل مِن العالم الآخر- مُموهين لي ببزة عسكرية مِن أخمص أقدامهم لأعلى رؤوسهم، ثمان بعد العشر رجلاً أو يزيدون، يبرقون بأعيُنهم صوبي؛ فيما كُنت أجاهِد على أن أصرخ لينقذني أحدٌ مِمّن بجواري حتى يُفسر لي تحلُل جسدي القعيد، أو يدفع عني ما أشاهده!

كان هذا قبل ثوان، كُنت أحاول أن أفكُر فيما أخوضه، فقد كُنت أسيراً كُلياً بعد أن استيقظت تحت وقع حالة تُسمي بالجاثوم، وكانت لي بمثابة عامِل مد مشروع للتعامّل مع الحدث، عوضاً عن الصراخ الذى كبله حلقي حتى لا ينفذ مداه من زفيري الخانِق.

 تِلك الحالة التي فسرها الطب النفسي، بأنها تعتري من يرى عوالم غريبة، فلا يستطيع أن يأتي بحركة أو يهمس بكلمة من شلل فائق. يهواها المخرجون، الذين يرصدون كُل عوالم مُحيطة لا تخرج عن أفاعيل الجان والشياطين، فقد كُنت دائما أستمع لكُل تِلك الأقاويل المُسيّرة ببلاهة لا تُناسب مجرى الحديث مِن ألسنة الحكائين والقوالين، حتى حدث لي ما لا يجِده تحكيم العقل والمنطق!

استمرت حالة الشلل بمعدّل 3 إلى 5 دقائق يرفض جسدي كُل حركة ونقلة أسعى لها بعقلي الذى كان يُتاح لي أن أتحدث معه فقط. هل ما زِلت غارقاً في نومي، أم أنني يقظ وأرى من أمامي سرية من الرجال تتغذى بمحاجر أعينهما الخاوية من مُقل الأعين على خوفي.

أسعي أن أصرخ فلا أستطع، ها هُم أمامي ومن حولي، ينبرون لي دون سِتار، في المبيت الخاص الذى يقع ضِمن عرين الصحراء، فكنت في فترة التأهيل والتدريب داخِل معقل الخروج مِن الحياة الملكية والإعداد للحياة العسكرية. التى لن ترى فيها ضوء، إلا ضوء القمر الذى لا يزال يهزم شيئاً مِن الظلام.  

الآن أكتُب وأرجع بذاكرتي لِما كُنت، في رباب يوم 11/04 مِن العام السابق، اليوم الأول الذى زارني فيه سرية من الجان، فِئة الأبدال!

لا عجب أن الحادثة كانت تماثلية بهذا العام المُنصرم، فكنت أخطط في نيف أشهره الأولى، على إحكام حبكة ذات جدوى تختص برواية قادمة، وقد كان علي أن أخترق عِدة عوالم قبل أن أشرع في الكتابة، وكانت مرآة التعرف على تِلك العوالم ضبابية، من حذر تكلم البعض عنها ورصدها للعيان، فيقع مجال الافتتان بها، لكونها مُجريات لأحداث خارقة، ليس لها صاحب أو راوٍ يحكي عنها إلا القليل؛ فأردت أن أبحُر وأغوص في تفاصيل غير مُعلنة، وملابسات قد ينبري عنها حقائق لم يُكشف السِتار عنها بعد.

وليس للكاتب إلا أن يطلع أو يرى حتى يستطيع أن يكتُب، فيدمغ االنهايةَ برؤيته أحداث روايته؛ على ما ناضل في خلال البحث عن شخوصه، فيثقل عمله بحقائق لها مرجعية، وثوابت لها أصل، إن شاء أن ينقل خيطا خفيا يسير عليه البعض دون أن يدرى.

وكانت بداية دخولي لطرق أبواب عالم روايتي، انضمامي لإحدى الطُرق الصوفية، كمريد حديث لا يُريد إلا أن يستمع، فيشاهد بقلبه، ويتحدث بالإنابة عنه شيخ الطريقة، ليريه ما لا يراه العوام، حتى توقفت عن الذهاب للحضرة التى كانت تُقيمها الطريقة أسبوعياً في بيت الله، مِن بعد ما نِلت ما أحتاج أن أتعرف عليه مِن عالم الصوفية والروحانيات.. مع مزيد من الاطلاع على وصايا الطريقة، فقرأت عنوانين لابن العربي، والجيلاني، والأسد المحاسبي، وغيرهم مِن مشايخ الصوفية.

وكان الوصول لمحطة أخرى، فلم يعُد يبقى لي إلا أن أسير في طريق آخر كي أحقق مقصدي؛ وهو طريق الكُتب والمراجع، التي نبشت مِنها عدداً من التصنيفات المُتناسلة، أهمها معرفة طُرق إغواء إبليس العدو الأكبر، فعرفتُ ثكناته ونقلاته عبر نقري دفتي كتاب (تلبيس إبليس) وعدد من المُؤلفات الدينية الأخرى، التى أخبرتني كثيراً عن عالم الجِن والشياطين، فألممت بكثير مِن حقائقهم، ودلوتُ مُتأخراً لصلب الهرطقة والدجل كي أقارن بين الغث والسمين، من خلال اطلاعي على قواعِد كثيرة وضعها بعض السحرة والمنجمين، فاتجهت لمن أسس معهداً لتدريب السِحر وتخريج عدداً مِن السحرة بمصر، بقراءة جميع مصنفاته التى تدور بين علم الرمل والتنجيم وطرق التحضير وأسرار الاسم الأعظم، حتى نفضت عن رأسي الخُرافات، فمكث لي ما أريد أن أطوعه في عملية تحرير الكتابة، بقطوف من الحقائق، كي أكمل حبكة عالمي الجديد، حتى أبدأ أخيراً من بعد سير وبحث متنوع قد يليق بدراسة موضوعية، لوضع قواعد تنزح عنى ما كان لبساً على الكثيرين.

بدأت الكتابة مُغامراً، حتى توقفت عند مُنتصف العمل، فانقطع سيري لسير جديد، كانت تكلفته التوقف عن الكتابة والغُربة بعيداً عن الأحباب لتأدية الخِدمة العسكرية!

مرت سبعة أيام ونحنُ في عرين الصحراء، مع صُحبة أغراب، أصبحوا في وهلة صغيرة أحبابا، كُنت أستمع مِن البعض عن رؤية أحدهم في العنبر.. شيئاً في وسط الظلام يسير إليه، وآخر أحداً ما كان ينُاديه، وآخراً أن أمرأه قد هاجمته في فِراشه ودلائِل ما حدث له تِلك العلامات الذى يُرينا إياها على ظهره – من سحاجات بنفسجية إثر كدمات غريبة لم يُحقق فيها سبيلا لمعرفة من ورائها!

لم يفلح معي حينها كُل تِلك الأقاويل كي أمررها في قنوات سمعي، قبل أن يطرُدها عقلي من هذيان ما أسمعه، ولا أنكِر أنني كُنت أستخِف بالبعض لنزوله إلى تِلك الدرجات. فقد جعلوا من الخرافة تمثالاً يرى من ينظر إليه كبد الحقائق!

كُنت في وقتها لم أستطع أن أجيب على سؤالين، رغم أنني كُنت مشتغلاً بتأويلهما وإن كانا واقعيين، رغم اطلاعي على كثير من المرويات، وعلى حوادث رواها الإمام ابن تيمية في مجموع الفتاوى يقع ورائها أفاعيل الجان، فكان السؤال الأول الذى يُجيب مباشرة على الثاني، إن أردنا أن نحُقق جواباً للسؤال الأول: هل الجِن لهُم قُدرة على التشكُل والتصور لبني الانسان بصور على غير هيأتهم، والثاني: ما حقيقة تلبس الجِن بالأنس؟!

حتى استيقظت فجأة ليلة اليوم الرابع من شهر نوفمبر من العام المُنقضي، ورأسي تتوجه تِلقائياً نحو شخوص بعينها، أراها تتحرك، وتسفِر بحديث مِن الألسنة فيما بينهم أرجح أنها ترجع للغة السريانية بعد استفتاء البعض!

لم أدرك بعد الآن ما حدث، فقد أصبح ما يشغل عقلي إجلاء بصري أمامي، أنظُر إليهُم وهم متهامسون، أكاد أرتّل بخوالد مِن الذِكر في بقية فؤادي ولكن هيهات، لا يزالون أمامي، أصابعي لا تتحرك، جسدي مُتخشب من هول ما أرى، أصابني شلل لدقائق معدودة، أراجع أثناءها ما يحدُث أمامي، النور مُطفئ وعسل من الضوء ينجلي عليهم، أحدهُم يُحرِك لي مظلته “طاقيته” التى فوق رأسه، وآخر يُداعبني برفع إبهامه على منبت شفتيه كعلامة على الإنصات له، ها هو جسدي يفرُك عن السكون، أطراف قدمي تتحرك، مع ذراعي، أعتدل مِن نومي بروية تحتشد معها مخاوفي، أتلفظ أنفاسي التى أحصيها، قبل أن أشير بيدي، وهي تتمدد على من يجاورني، ها هو يستيقِظ…

– مالك يا رواي مش وقتك، عايزين نتخِمد شوية قبل طابور الجمع.

أُلّوِح له بيدي

– بُص كده..

– فيه إيه يعم؟!

في أثنائها نقر أحد زُملائي كُبس النور مِن الجلبة التى أحدثتها في العنبر؛ ليتلاشى عني ما كُنت أراه!

مرت ساعة ونُصف حتى استيقظ الآخرون، كان الجميع فيها حولي يُحاورونني بنهّم، الجميع يُصدق ما أتقول به أمامهم، فلا أحداً ما طاوحني عن منزلتي ليستخِف بي، مِما أسرده عليهم!

حتى مرت ليلتان عليّ، لم يختلف فيها، عما جري لي!

الجميع يلتف حول فراشي، يُذكرني بأدعية قبل النوم، وقراءة بعض الآيات والسور، التي لم أغفل عنها حينما رأيتهم…

في هاتين الليلتين المُتتاليتين؛ كُنت أستيقظ دونما أن أريد، وكأنني أصبحت مأسوراً من لُدن عالم آخر، ليطيح بي الشلل عدداً مِن الدقائق، ويتوالى الشريط مُجدداً، على مِنواله، قبل أن أراجع نفسي أنني لست في زئير الأحلام، فلقد استيقظت للتو..

لافِتة:

– تاريخ استدعائي لتأدية الخِدمة العسكرية 27- 10- 2020

– أما تاريخ الظهور الأول للسرية 4-11-2020

– تاريخ الظهور الثاني للسرية 5-11-2020

– تاريخ الظهور الثالث للسرية 6-11-2020

– قد قضيت مركز تدريبي بمنطقة دهشور العسكرية.

– كان المبيت في جناح كان مُنع فيه التسكين لعدد من العقود.

حقيقة مروية تحققت مِنها أخبرني بها عدد مِن الرُتب العسكرية والزملاء…

في حِقبة مِن التاريخ، ارتكب جُندي عملية اغتصاب لبنت من بنات البدو بمنطقة دهشور العسكرية، فلما علُم ذووها، غزا عدد مِن العرب المنطقة العسكرية وقتلوا من فيها، وقُدر عدد من قُتل؛ بسرية من الجنود!!!

تدقيق لغوي: كوثر بوساحية

كاتب

الصورة الافتراضية
Mohamed Ali
المقالات: 0

اترك ردّاً