كانت هارييت بيتشر ستو مؤلفة، ناشطة خيرية ومناهِضة للعبودية. وُلدت في الرابع عشر جوان من عام 1811 بِـليتشفيلد – كونيتيكت، في الولايات المتحدة الأمريكية. تنحدر ستو من عائلة جدّ متدينة، والتي ساعدت في تشكيل خلفيتها التعليمية والاجتماعية. كانت ستو بمثابة رأس حِربة العديد من المجموعات التي احتشدت لأجل الدفاع عن حقوق الآخرين. كان صوتها أقوى سمة لها، إذ أنها بَنت مصداقيتها في مجتمع لا تتمتع فيه النساء بالقوة أو السلطة، وكانت قادرة على جذب الكثير من المتابعين.
لم تكن حياة ستو سهلة البتّة؛ فكثيراً ما واجهت المصاعب والخسارات _على صعيد مآسيها الشخصية، والتي كانت الحلقة المُكرّرة في حياتها. كانت تمثل تعريفاً للأم العاملة العصرية، والتي كتبت العديد من الروايات، الشعر، والمجلات لأجل مساعدة عائلتها المتكونة من سبعة أطفال. لعبت المصاعب التي واجهتها دور العامل المحفّز في حياتها المهنية فكانت مصمِّمةً على النجاح لأجل عائلتها. ساعد عملها قبل الحرب الأهلية وبعدها، على تشكيل تاريخ أمريكا.
امتدت حياة هارييت بيتشر ستو لمدة خمسٍ وثمانين عامًا، وتوفيت في الأول من شهر ماي عام 1896. خلال حياتها؛ غيّرت بشكل عميق وملحوظ مسار التاريخ الأمريكي، كان ذلك من خلال عملها كمتحدثة وكاتبة على حدٍّ سواء، كما توضّح ذلك هذه السيرة الذاتية التي تُبرز إنجازاتها العديدة. دون إنجازاتها هته، فإنه من الممكن أن العبودية كانت لا تزال موجودة اليوم. لم تتمتع المرأة حينها بالحقوق التي تعتبر حريات بديهيةً في هذا العصر _ والتي كان غالبًا يتم التقليل من قيمتها وتجاهلها، مثل الحق في التصويت أو حرية الفرد خلال الزواج. لكن ستو عملت بجد لتحقيق النجاح في مختلف القضايا الاجتماعية “في زمن لم يكن فيه الأدب مهنةً محترمة أو مربحة” كما قالت هيدريك (كاتبة كتاب السيرة الذاتية لهارييت).
كانت حياتها مهمة بشكل خاص لأنها لم تسمح لمعايير تلك الحقبة الزمنية بتحديد كيانها. في عام 1852، كتبت إيليزا كابوت فالون (كاتبة ومناهِضة للعبودية وعقوبة إعدام العبيد) رسالةً إلى ستو في محاولةٍ لمعرفة المزيد عن حياتها. كانت هذه الرسالة قيّمة للغاية على الصعيد الشخصي لتطور ستو لأنها كانت عموماً شخصاً كتوماً للغاية، ولكنها في هذه الرسالة، أفْضت إلى فالون بطريقة لم يسبق لها مثيل.
توفي تشارلي؛ ابن ستو، بسبب الكوليرا بعد أن تم تشخيصه من قِبل الأطباء بفترة وجيزة. أرادت ستو _كمُناهضة للعبودية_ أن تتعمق في أسبابها قدر الإمكان، وشعرت بأنها تتقاسم مع الأمهات الرقيق شعورهن، بما أنهن عانين من فقدان أطفالهن بطريقة أو بأخرى. هذا ضربٌ من عظمة ستو؛ لقد وجدت طريقةً لتقاسم مشاعراً مع اللواتي يَبدين أنهن من المستحيل أن يملكن قاسماً مشتركاً بينهن وبينها.
مع أن فقد أولئك الأطفال كان في ظل ظروف مختلفة، لكنه رغم ذلك يبقى فقداً.
أصبحت ستو مدركةً أن الآباء الرقيق قد عانوا من التناقضات الشديدة لشكل أبوة أصحاب الطبقة الوسطى، وتعترف هيدريك بإدراك ستو لذلك من خلال كتابة هذا في روايتها.
كانت ستو قادرةً على إدراك هته الاختلافات والتناقضات، وبقيامها بذلك استفادت من جفاف مشاعر بيض الطبقة الوسطى وتجنيد تعاطفهم مع الآباء الرقيق باستعمال تعبيرات ومجازات قوية من الدين الإنجيلي، من فقدٍ وعبودية.
في هذا الرد على فالون، ذهبت ستو إلى أبعد في توضيح وجهة نظرها قائلة: ”لقد كان ذلك عند فراش موته وبجانب قبره، حين علمت ما الذي قد تشعر به أمٌّ رقيق حين يؤخذ منها طفلُها بعيداً“.
يكمن سبب تضمين علاقة ستو الجديدة (مع الأمهات الرقيق) في السيرة الذاتية في حقيقة أن نشاط ستو في المطالبة بإلغاء العبودية كان بسبب علاقاتها الشخصية المكتشَفة حديثًا مع أمهات العبيد.
بالإضافة إلى الدفاع عن حقوق المرأة على المنبر الوطني، تمكنت ستو من تغيير الطريقة التي يُنظر بها إلى أدوار الجنسين في الأسرة النموذجية. تزوجت هارييت من زوجها، كالفين ستو، عام 1836. وكان مثل ستو، مؤلفاً ومعلماً. بسبب متطلبات عمل زوجته ونجاحها في الكتابة، لم يحظيا بزواج نموذجي لفترة زمنية معينة.
في رسالتها إلى إليزا كابوت فالون، كتبت ستو عن الوضع المادي لزواجها بروح دعابة، ولكن أيضاً بصدق: ”تزوجتُ في الخامسة والعشرين من عمري برجل غني في اليونانية، العبرية، اللاتينية، والعربية. واحسرتاه! لم يكن غنياً في شيءٍ آخر“.
توضح هيدريك عن ستو أكثر: ”على عكس الزيجات التي سيطر عليها الذكور في القرن الثامن عشر، كان اتحاد كالفن وهارييت “زواج صحبة” ما يُثبت أن ستو كانت رائدةً في أكثر من جانب في الحركة النسائية“.
كتاب السيرة الذاتية: هارييت بيتشر ستو، يؤرخ اتحادهما، بما في ذلك السنوات الأخيرة من زواجهما عندما تقاعد كالفين وواصلت هارييت العمل، وأصبحت المُعيل الوحيد للعائلة، وهو شيء لم يسمع به أحد في الواقع في القرن الثامن عشر.
كانت أبرز الإنجازات التي حققتها هارييت بيتشر ستو نشر روايتها “مقصورة العم توم”، وهو كتاب مناهض للعبودية، يروي قصة عبد اسمه توم. قُدمت ستو لأول مرة إلى عالم مكافحة العبودية من خلال ارتباطاتها في “حركة حرية التعبير” التي ظهرت للدفاع عن العبيد.
هنا، تستكشف هيدريك تأثير الانضباط على ستو، إذ أن حيلة حرية التعبير قادتها إلى طريق مختلف للدفاع عن الحقوق. كتبت ستو رسالة إلى رجل يدعى ويليام لويد جاريسون، الذي كان صحافياً ومناهِضاً للعبودية.
جاريسون، مثل ستو، كان يبحث عن طريقة لفهم مجتمع الرقيق بشكل أفضل.
بعد إطلاق روايتها، عملا ستو وجاريسون معًا، كما أشير في سيرة هيدريك، والتي تشرح فيها شراكتهما: ”في شتاء 1853-1854 نُظمت، بالتنسيق مع جاريسون، سلسلة محاضرات بوسطن المناهضة للعبودية، معتقديْن أن هذه طريقة فعالة لمعرفة قناعات الناس بالانطباعات الشعبية التي نتجت عن قراءة وتمثيل مقصورة العم توم“.
رؤية ستو في هذا الموقف جعلها مؤثرة بشدة. وفقا للسيرة الذاتية، فإن ستو قبل نشر مقصورة العم توم، لم تكن حقاً ناشطةً سياسية.
شكّل جاريسون “حركة مجتمع نيو إنجلاند للمقاومة”. كان هدف هذه الحركة هو “دعم حق المرأة في المشاركة في سياسة مكافحة الرق”. وبطبيعة الحال، وافقت ستو على أفكار هذه المجموعة. شعرت النساء بأن هذه المجموعة ستكون مفيدة، وكما تقول هيدريك: “لجأت النساء إلى ستو للتخفيف عنهن من نوع معين من الأفكار الدينية التي لم يكنّ قادرات على التعبير عنها لأسيادهن”.
من أجل التأكيد على أن نشر روايتها يرسم صورة دقيقة للرق، اعتقدت ستو أنه سيكون من الأفضل التواصل مع فريدريك دوغلاس الذي كان في السابق عبداً. وكانت رواية “مقصورة العم توم” في فترة قالت عنها هيدريك: “أن المرأة الحقيقية لا تعترف بأنه قد تم تجريد العبيد من ملابسهم، وأنهم قد تعرضوا للضرب، وبأنه قد كانت هناك رابطة جنسية بين العبيد الإناث وأسيادهن، أنهن أنجبن أطفالاً من كل الألوان.. ” من الواضح أن ستو هي أول امرأة تصنع هذا الاعتراف. كما تؤكد هيدريك، أن الحديث عن العبودية كان في حد ذاته جريمة، هذا ما يثبت أن ستو لم تكسر قانوناً وعرفاً واحداً بل اثنين.
لكي تثبت ستو لدوجلاس أن هدفها كان مساعدة العبيد، كتبت: “عشتُ وزوجي على حدود دولة الرقيق لسنوات عديدة، ونحن لم نستعبد أبداً، لم نتهرب منهم أبداً – لقد ساعدناهم بكل ما أمكن تقديمه – لقد استقبلت أبناء العديد من العبيد المحرَّرين في مدرسة عائلية وعلمتهم مع أطفالي”.
تطرح هيدريك السؤال الآتي: ”كيف كانت هارييت بيتشر ستو ابنة وزوجة رَجلين متديّنَينْ أن تصل إلى احتضان مشاهد من القمع والاضطهاد والتي اعتمدت عليها قصتها؟“ شملت هيدريك هذا السؤال في السيرة الذاتية لأنه يشكل معضلة بالنسبة لستو. نعثر على الإجابة على هذا السؤال بمساعدة عبدٍ سابق، مثل دوغلاس.
يبدآن ستو ودوغلاس في حل خلافاتهما حول موقف الكنائس من العبودية، أدرك دوغلاس أن كل ما أرادته ستو هو مساعدة المُتأذين من العبودية، وبدأ بالإفضاء لها عن حياته كعبدٍ يعمل في مزرعة القطن، وعلاقته مع سيّده. أصرت ستو على إخضاع العلاقات الخاصة بين السيد والعبد للرأي العام. وهذا، كما تكتب هيدريك، جعل أيديولوجية الحواجز بين الطبقتيْن العامة والخاصة تنهار، اعتُبر هذا عملاً ثورياً كانت لديه القدرة على تحرير النساء البيض كما كان الحال بالنسبة للذكور والإناث من العبيد دون تفرقة. يُعدّ هذا واحداً من أعظم إنجازات ستو في عملها الروائي.
كانت أول نقطة تحول في حياة هارييت بيتشر ستو في مقتبل عمرها، غير قادرة على فهم الخسارة التي طالتها. لم تعرف سوى القليل عن كون هذا الموت الذي مسّ عائلتها سيعيد تشكيل الجوانب الشخصية والمهنية في حياتها.
توفيت والدة ستو، روكسانا بيتشر، عندما كان عمر ستو خمس سنوات. تَمضي ستو في الكتابة عنها في روايتها “مقصورة العم توم” وتشير إليها كشخصية ملائكية. في عقل هارييت، كان لذكرى ونموذج روكسانا تأثيراً أكبر في تشكيل عائلتها بِردعها عن الشر وتقريبها من الخير.
من خلال العديد من أعمالها الأدبية، ابتكرت ستو “الأمهات الأدبيات”، حيث كتبت عنهن وكأنهن أمها. لربما حاولت ملء فراغ اليُتم والعيش دون أم عن طريق الكتابة. تكتب هيدريك عن هؤلاء الأمهات الأدبيات، وكيف أنّ ذاكرة أم ستو لم تُنسَ، بسبب والدها الذي ظل يحاول الحرص على أنها لم تُنسَ. قد يكون فقدان والدتها في هذه السن المبكرة مصدر إلهام لها في الدفاع عن حقوق المرأة، بنيّة أن تجعل والدتها فخورة بها.
بينما واصلت حياتها المهنية ازدهارها، أصبحت ستو مهووسة بفكرة الكمالية أو المثالية وحاولت تحقيقها في كل جانب من جوانب حياتها. كان لهذا الهوس أثره البارز عليها، إذ أنها ابتعدت عن أسرتها وكرّست معظم حياتها لأعمالها.
في الأول من جويلية/يوليو، عام 1843، انتحر جورج شقيق ستو. كتاباته المُعنونة بـ”آراء عن المسيحية الكمالية” ظهرت في وقت لاحق وكشفت أن هوسه ليصبح مسيحياً مثالياً أدى به إلى حتفه. موت جورج ألقى بِهارييت في صراع نهائي مع الكمال، وفقاً لهيدريك. تقول ستو: “موت جورج المفاجئ هزّ كلّ روحي كزلزال”. كانت وفاته بمثابة دعوة لها للاستيقاظ، من هنا، بدأت تتخلى عن هوسها بأن تصبح مسيحية مثاليةً وتجعل وفاة أخيها مصدر إلهام لها هو الآخر كي تكتب.
توضح سيرة ستو، التي كتبتها هيدريك، أنها كانت كتومةً للغاية. وكان من المهم أن تُدرج هذه القطعة لأنها أظهرت تطور ستو كشخص وككاتب.
عام 1863، تمت دعوة ستو إلى قاعة موسيقى ببوسطن مع أشخاص آخرين ناضلوا أيضاً لإلغاء الرق. كان هذا وقتَ إعلان مرسوم التحرير من قِبل لينكولن حيث حسب هيدريك “كان نظام القوانين قد خلق أمة منفصلة داخل الجمهورية، أمة من الناس تم إعلانهم من قبل على أنهم دون هوية قانونية، دون روح، دون غرض سوى خدمة الآخرين، ولا مصلحة فيهم للتجربة الجمهورية”. تصاعد هتاف الحشد باسمها ممتناً لكل ما فعلته للحركة المناهضة للعبودية. ستو، وقفت والدموع في عينيها، تعبر عن شكرها لذاك الإجلال. كان هذا بمثابة نقطة تحول في حياتها المهنية لأنها حصلت أخيرا على الاحترام والشرف اللذين تستحقهما. تكتب هيدريك عن مختلف الجوائز التي حظيت بها ستو وكيفية قبولها لها. كانت ستو تكتب رسائل إلى مختلف أعضاء عائلتها حول الارتباطات الاجتماعية التي سارت مع شهرتها الجديدة نحو زيارة للبيت الأبيض.
انخرطت ستو وأصبحت رئيسة عديد الجماعات المحيطة بقضايا حقوق المرأة وإلغاء الرق. كانت تعتبر واحدة من أعظم الكتاب على مَرّ العصور. السيرة الذاتية هي أفضل طريقة لسرد التسلسل الزمني ليس فقط لأحداث حياتها ولكن للعديد من التغييرات الاجتماعية التي حدثت خلال فترة حياتها أيضاً. تجمع السيرة الذاتية ألمع الحروف التي كتبتها في مكان واحد مع شرح سياقها في كتاباتها. تمت كتابة هذه السيرة بدقة من خلال إدراج رسائل شخصية كتبتها ستو طوال حياتها.
ستو، كونها الشخصية الكتومة المحبة لاحترام المساحات الشخصية، لم تكتب عن حياتها للعامة قط، لهذا فقد كانت هذه الرسائل مطلوبة لتصوير ستو بأفضل طريقة ممكنة. كان الخطأ الوحيد بهذه الرسائل أن ستو لم تؤرّخها.
من المهم أن تُدرس حياة هارييت بيتشر ستو لأنها كروائية تسببت في ضجة اجتماعية عامة أيقظت أمريكا كافة. كما أنتجت تغييراً في جميع أنحاء البلاد خلال القرن التاسع عشر. كانت رواية “مقصورة العم توم” تحظى بتقدير كبير واعتُبرت كرواية غيرت العالم. قال الرئيس لينكولن عند لقائه بها في البيت الأبيض: “إذاً أنت المرأة الصغيرة التي كتبت الكتاب الذي بدأ هذه الحرب العظيمة!” كانت هي المرأة الأولى من هذه الفترة الزمنية التي وجهت صوتها للتعبير عن رأيها في القضايا التي أثرت على شريحة كبرى من المجتمع. كما يمكن اعتبارها واحدة من أكثر الأشخاص تأثيراً في القرن التاسع عشر. إنه مهم أن يعرف الجميع عن حياتها ومساهماتها في المجتمع من أجل فهم إلى أي مدى أصبحت قضايا حقوق المرأة والعبودية تحتاج للدفاع عنها.
“هارييت بيتشر ستو: حياة بقلم جوان د هيدريك – Harriet Beecher Stowe: a life by Joan D Hedrick” سيرة تحتوي على أعمال حياة هارييت وإنجازاتها المختلفة نتيجة لمناصرتها قضايا حقوق المرأة وإلغاء الرق. تثبت هذه السيرة الذاتية، إلى جانب ثلاثة مصادر أساسية أن ستو كانت رائدة في القرن التاسع عشر. هذه السيرة على وجه الخصوص جعلت كون ستو واحدة من أعظم النساء في التاريخ قضية قوية. وأوضحت هيدريك أهميتها فسلّطت الضوء على الطرق التي تحدّت بها ستو معايير القرن التاسع عشر.