“إنّ مشاريع زها حديد تُشبه سفن الفضاء، التي تسبح دون تأثير الجاذبية في فضاء مترامي الأطراف، لا فيها جزء عالٍ ولا منخفض، ولا وجه ولا ظهر، فهي مبانٍ تظهر وكأنّها في حركة انسيابية في الفضاء المحيط، ومن مرحلة الفكرة الأوليّة لمشاريع زها إلى مرحلة التنفيذ؛ تقترب سفينة الفضاء إلى سطح الأرض، وفي استقرارها تُعتبر أكبر عملية مناورة في مجال العمارة”
لأنّ زها تعتمد في تصاميمها ما يُعرف بالعمارة التفكيكيّة، وهو أسلوب حديث يعتمد التعدديّة ولا يعترف بوحدة المعنى، طُور الأسلوب التفكيكي في القرن العشرين في أوروبا وأمريكا وشهد طفرة نوعيّة بقلم حديد التي نفذت ما يقارب 950 مشروع في 44 دولة، تصاميم ومبانٍ أشبه بالثورة على العمارة التقليديّة، فلسفة لامركزية مع هوية خاصة لكل مبنى، الأمر الذي عرّضها إلى انتقادات واسعة -آخرها كان حول إستاد الجنوب القطري، حيث وصفته إحدى الصحف البريطانيّة بأنّه فرج النساء- ومنحها شهرة أوسع.
فمن هي زها حديد؟
وُلدت زَها أو زَهاء محمد حديد في 31 تشرين الأول 1950 في العاصمة العراقيّة بغداد، لعائلة ثرية ذات نفوذ سياسي، فوالدها محمد حسين حديد من مؤسسي الحزب الوطني الديمقراطي العراقي، ووزير الماليّة العراقي، أمّا والدتها وجيهة الصابونجي فقد كانت فنانة.
بالإضافة إلى أسرتها العصريّة، فإنّ الفترة التي ولدت فيها حديد من تاريخ العراق الحديث، كانت مزدهرة من كافة النواحي، وشهدت اهتماماً بالعمارة والثقافة.
وقد ذكرت حديد أنّها قرّرت دراسة الهندسة في الحادية عشر، إذ أنّها تأثرت بالأشكال التي شاهدتها في معرض بغداد حينما زارته مع والدها وهي في السادسة من عمرها.
ساعد كون عائلتها محبة للسفر، أن تطّلع حديد على الصروح المعماريّة و تتعرف على ثقافات مختلفة، فنجد أنّ حديد تؤمن بأنّ الطابع المعماري للمدن مستمد من ثقافة وروح السكان بالإضافة إلى البيئة، ويمكن ملاحظة ذلك في مشاريعها في نيويورك ومشاريعها في دبي.
بدأت حديد مسيرتها الدراسيّة في بغداد في مدرسة الراهبات التي تضم فتيات من خلفيات دينيّة وثقافيّة متنوعة، انتقلت بعدها إلى بيروت لدراسة الرّياضيات في الجامعة الأمريكيّة، للحصول على الليسانس عام 1971، غادرت حديد بيروت إلى لندن للحصول على دبلوم في العمارة من كلية الجمعيّة المعماريّة Architectural Association School of Architecture، والتي كانت تمثل خلال سبعينيات القرن العشرين مركز الفكر المعماري التقدمي.
بعد حصولها على الدبلوم بدأت رحلتها كمهندسة ورق، بمعنى أنّ تصاميمها لا تخرج إلى حيز التنفيذ كونها حالمة، غير مألوفة، أقرب إلى اللوحات الفنيّة منها إلى المباني الفعليّة، حيث انضمت حديد في عام 1977 إلى ريم كولاس وإليا زنجليس أصحاب مكتب أو أم إيه للعمارة، لتنشئ مكتبها الخاص، مكتب زها حديد المِعْمَاري عام 1979.
لم يكن من المتوقع أنّ هذه التصاميم الخياليّة ستنفذ يوما ما، إلا أنّ زها كما ذكرت ذلك عدّة مرّات أنّها لا تشك كونها ستصبح محترفة يوما ما، لذلك غادرت مرحلة “مهندسة الورق”، إلى مرحلة ” ملكة المنحنيات”، من خلال فوزها بمسابقة تصميم نادي الذروة الترفيهي في هونغ كونغ عام 1983، على الرّغم أنّ المشروع لم يتم تنفيذه إلاّ أنّه ساهم في شهرتها في الأوساط المعماريّة العالميّة.
في العام 1993، افتتحت محطة إطفاء الحريق فيترا في ويل ام راين، ألمانيا ليكون أول مشروع يُنفذ لحديد منذ بدء مسيرتها المهنيّة في السبعينات، ولابد من الإشارة أنّ محطة فيترا اليوم تُستخدم لأغراض فنيّة.
في العام 1997 فازت حديد بمسابقة لتصميم المبنى الجديد لمركز الفنون الحديثة في سينسيناتي، بولاية أوهايو بأمريكا، و تم افتتاح مركز روزنتال في العام 2003، كأول مبنى منفذ لها في الولايات المتحدة الأمريكيّة، كما أنّه أول متحف أمريكي من تصميم امرأة وقد وصفته صحيفة نيويورك تايمز بأنّه “أهم مبنى أمريكي يتم الانتهاء منه منذ الحرب الباردة”.
من هنا شقت زها طريقها، لتصبح المعماريّة العالميّة و رابع أقوى امرأة في العالم -حسب تصنيف مجلة التايمز عام 2010- ومن ضمن المئة شخصيّة الأكثر تأثيرا في العالم لعام 2004 من خلال مباني تصلح لأن تكون صروحاً فنيّة، حول العالم مثل قطار ستراسبورغ في ألمانيا، و منصة التزحلق في إنسبروك، و مركز العمارة والفن المعاصر في إيطاليا، و مركز حيدر علييف وغيرها الكثير حول العالم.
في العالم العربي لم ينفذ من تصاميم حديد سوى في الإمارات – جسر الشيخ زايد في أبوظبي، شركة بيئة في الشارقة، و المبنى العائم ودار الأوبرا في دبي- وكذلك في بيروت معهد عصام فارس للسياسات العامّة والشؤون الدوليّة، و ملعب استاد الجنوب وهو ملعب متعدد الاستخدام في مدينة الوكرة القطريّة.
إلاّ أنّ هناك مشاريع عدّة أخرى قيد التنفيذ في الأقطار العربيّة:
– مبنى البنك المركزي العراقي في العاصمة بغداد الواقع على ضفاف نهر دجلة, والذي بعد الانتهاء من تنفيذه سيكون اعلى مبنى في العراق.
– القاهرة إكسبو سيتي، وهو مركز دولي للمعارض ومجمع للمؤتمرات وفندق لرجال الأعمال في مصر.
– مسجد الأفنيوز في الكويت، و الذي سيكون أجرأ تصميمات المساجد المعاصرة في العالم الإسلامي.
– دار الملك عبد الله للثقافة والفنون في العاصمة الأردنيّة عمان، وهو مُلتقى للتدريب، التعليم، والإلقاء ويحتوي على مركز للفنون وقاعات مناسبات ومؤتمرات ومراكز تعليمية لمختلف الأعمار.
– محطة مترو الرياض في السعودية .
– مركز التراث العمراني في السعودية، الذي يعد آخر تصاميم حديد، و استوحت زها حديد تصميم مركز التراث العمراني من الكثبان الرملية والبيئة التراثيّة.
بالإضافة إلى فوزها بالمسابقات العالميّة، فقد نالت حديد العديد من الجوائز، الأوسمة والألقاب العالميّة أهمها:
– جائزة الدولة النمساوية للسياحة في عام 2002 وهي أرفع جائزة في النمسا.
– جائزة بريتزكر في عام 2004 و تعادل هذه الجائزة نوبل في العمارة.
– وسام الإمبراطورية من رتبة كوماندور من فرنساعام 2006.
– جائزة توماس جيفرسون للهندسة المعمارية في عام 2007.
– حصلت على الوسام الإمبراطوري الياباني ووسام التقدير من الملكة إليزابيث.
– عضوًا شرفيًا في الأكاديمية الأمريكيّة للفنون والآداب والجمعية الأمريكيّة للمعماريّين.
– وفي 2016، فازت بجائزة ريبا، الميدالية الذهبيّة الملكية للعمارة، وأصبحت زها أول امرأة تحصل على هذه الجائزة التي هي أعلى تكريم يقدمه المعهد الملكي البريطاني اعترافا بالإنجاز التاريخي في مجال الهندسة المعمارية.
بالإضافة إلى تصميم المباني، فقد صممت زها المجوهرات والأثاث، كما أنّها كانت أستاذاً زائراً في أشهر الجامعات العالميّة، ومن المعروف هي لم تتزوج ولم يكن يشكل الأمر أزمة بالنسبة لها “لا أفكر في الأمر بهذه الطريقة، تحدث الأشياء الجميلة في الحياة”، هكذا أجابت على السؤال المتكرر من الإعلام فيما إذا كانت سعيدة بكونها عزباء.
انتهت الحياة الحافلة والمتميزة للمعماريّة زَها حديد، في ميامي الولايات المتحدة الأمريكيّة في مارس/آذار عام 2016 إثر نوبة قلبيّة، تاركة صروحها في بقاع مختلفة من الكوكب.
تدقيق لغوي: بوسيف ميّادة.
المراجع:
- الجزيرة\ جوجل يحيي ذكرى العراقية زها حديد بيوم المرأة، 9/3/2019
- Britannica\ Zaha Hadid
- Dame Zaha Hadid obituary\ theguardian
- Zaha Hadid, Friend