يوسف الصامت بوحايك، شاب جزائري مهتم بالفكر والفلسفة، مؤلف لكتاب “رجل القش” الجامع لمختلف المغالطات المنطقية والانحيازات الإدراكية. ومطور للألواح الالكترونية التي تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي المختلفة.
من وجهة نظر تبسيطية، ما هو الذكاء الاصطناعي، وماهي أشهر تطبيقاته الحالية؟
في أبسط عبارة هو محاولة محاكاة واستنساخ للذكاء البشري باستعمال الحواسيب (المعالجات) فائقة الجودة، بحيث تصبح الآلة قادرة على إنتاج دلالات ومعاني (semantics) في شكل قرارات انطلاقًا من البيانات المجرّدة والصامتة التي تتلقاها، وهو ما يساعد في حلّ الكثير من مشاكل البشر أو مساعدتهم في حلها.
تطبيقاتها حاليا موجودة في كل شيء تقريبا لكونها تحاول تعويض الإنسان الموجود في كل تفصيل في العالم. من أهم هذه التطبيقات السيارات ذاتية القيادة التي تستعمل الذكاء الاِصطناعي (العميق خاصة) في تحليل محيطها (الطريق، اللافتات، باقي السيارات، الراجلون، إلخ) واستنباط معلومات تساعدها في اتخاذ قرارات سريعة ومناسبة لوظيفتها. هو موجود كذلك في مجالات الطب والبيولوجيا لتسهيل الوظائف المتكررة والمملة للبشر وكذا تلك التي تتطلب دقة عالية ووقت محدود لتحليل الصور وربط عدد هائل من البيانات في أجزاء من الثانية. ما عدا هاذين المثالين فالذكاء الاِصطناعي موجود في كل مكان، حتى أعلى مجالات الفخر والابداع الإنساني كألعاب الذكاء والموسيقى والرسم والتعرف على الأشياء والأشخاص، مما يجعله مستقبلًا واعدًا للتكنولوجيا البشرية.
ماهي أهم الفروقات بين الذكاء الاصطناعي والذكاء البشري إن وجدت؟ وهل يقدم لنا الذكاء الاصطناعي معرفة أم بيانات نفسرها نحن البشر لمعرفة؟ مع أمثلة حول ذلك إن أمكن.
توضيح الفرق صعب جدا لأننا بداية مازلنا لا نفهم ماهية وآلية الذكاء والوعي البشري بطريقة كافية، وهو ما ينعكس بوضوح في نماذج الذكاء الاِصطناعي الحالية التي تعتبر كعلبة سوداء، نتعامل معها ببراغماتية، إذ نهتم لكونها تعمل وتنتج نتائج مفيدة للبشر. ما نعرفه أن الذكاء البشري يعمل عبر فصل المشكل إلى مستويات تجريد متعددة، مثلا التعرّف على الوجوه البشرية لأهلك وزملائك يحدث في وقت شبه منعدم فنظن أن ذلك يحدث تلقائياً، لكن الذكاء البشري أو الاِصطناعي يمر على مستويات تجريد كثيرة، ففي الاصطناعي مثلا في نسخته الحديثة عبر استعمال شبكات عصبونية (Neural Networks)، تتكون الشبكة من عشرات أو مئات الطبقات (layers) التي بدورها تحوي العشرات أو المئات من العصبونات (neurones)، كل طبقة تقوم بتحليل مستوى تجريدٍ أعلى من سابقتها (الاِنتقال من العموم إلى التخصّص)، فمثلا الطبقة الأولى تقوم بالبحث عن أنماط بسيطة (مستوى تجريد منخفض) كالخطوط المستقيمة والمنحنية والمنكسرة، ثم التي تليها تبحث عن أمور أعقد تكون كمركبات للطبقة الأولى كالدائرة والمثلث وأشكال الحروف… إلخ، ثم التي بعدها تتعرف على مستوى أعلى كشكل العين والأذن والأنف التي تمكنها من معرفة وجود شكل وجه من عدمه، إلى آخر الطبقات التي تكون أكثر تخصّصا في التفريق بين الوجوه البشرية بشكل دقيق.
هذا فقط شكل من أشكال الذكاء الاِصطناعي، هناك أيضا التعلم المعزز (Reinforcement Learning) الذي يحاكي تعليم الأطفال عند البشر، عبر استعمال مفهوم المكافأة والعقاب، بحيث يتم إعطاء حافز للنتائج الايجابية وإضافة منغّص للنتائج السلبية لينقص تكرارها، هذا النموذج موجود بكثرة في برمجة الروبوتات التي تقوم بالاعتناء بنفسها وتحتاج لاتخاذ قرارات متكررة ومراقبة حالتها مع الحاجة لتحسين أدائها باستمرار، فهذا الذكاء لا يتمّ تعلمه في فترة محدودة وينتهي الأمر (offline)، إنما هو نموذج للتعلم والتحسّن المستمر للآلة في فترة حياتها مثل البشر تمامًا.
أعتقد أنَّ أهم فرقٍ بين الذكاءين هو فرق تعقيد أكثر منه فوق نوعي، ولحد الآن الذكاء الاِصطناعي يقوم بتعويض البشر في الكثير من المهام، المشكل فقط أن البشر يتوقّعون منه أن يكون متعدد المهام، وهو شيء لا يتم التركيز عليه كثيرًا بعد، لأنه يحتاج لنماذج متعددة (multimodal)، هذه النماذج هي تركيب معقد للنماذج الأولية التي نستعملها حاليا، وهي مازالت غير ناضجة لأنها تحتاج لقدرة علاجية فائقة لا يمكن للمعالجات الحالية توفيرها، فالمشكل هو مشكل تقني أكثر منه علمي، وهو مشابه لتأخر الكثير من النظريات الفلكية في السابق لعدم وجود تليسكوب فعّال قادر على التأكد منها. فالكثير من النماذج الحالية وحيدة المهام، يمكنها أن تتعرف على وجه إنسان حتى لو كان لونه بنفسجيّا، كما يمكنها أن تتعرف على الأشياء في الغرفة دون إعطاء أي إشارة على سلامة سياقها حتى لو كان السقف تحت الطاولة! وهنا نَصِفها بقلّة الذكاء رغم أن إضافة تحديد اللون أو السياق ليس شيئا لا يمكنها فعله ضرورة، هو فقط لم يكن الهدف الذي وضع لها بداية.
المعرفة هي مجرد بيانات تكون مفيدة، وما يُعتبر معرفة لشخص قد يعتبر مجرد بيانات غير مهمة (irrelevant) لشخص آخر، فهو يقدّم بيانات تكون مهمة ومفيدة في سياق معين، وما لا يكون مفيدا سيتم التخلص منه تلقائيا في مرحلة التعلّم (learning). أظن الخلاف هنا هو خلاف مستويات تجريد فقط، إخراج بيانات مفيدة من بيانات عامة هو وظيفة، وكذا تفسير هذه البيانات المفيدة هو وظيفة في مستوى تجريد مختلف، ويمكن للذكاء الاِصطناعي القيام بهذه الوظائف حين تُقدّم له البيانات في مستوى التجريد المناسب.
بما أن الذكاء الاصطناعي يعتمد على البيانات التي نقدمها له، ألا يجعله هذا عرضة ليخضع لانحيازاتنا الإدراكية؟ إلى أي مدى يمكن أن تستقل مخرجاته، هل يعمل المبرمجون على تطويره ليصبح أكثر تحررا من المدخلات؟
هذا سؤال مهم، هو بلا شكّ معرّض لانحيازاتنا الادراكية، وهذا مشكل مشهور يقع للباحثين حين يقرّرون التصرف في البيانات (pre-processing) قبل إعطائها لبرنامج الذكاء الاصطناعي، حيث يقومون بتقليص كمية العشوائية والأجزاء غير المهمة في البيانات للتقليل من حجمها، لكن المشكل أنهم حينها يقومون بفرض جزء كبير من قراراتهم ومعارفهم على الذكاء الاِصطناعي. ما قد يبدو لنا غير مهمّ قد يكون هو ما يحدّد من جودة الذكاء الاِصطناعي، ويقلّص من حريته في البحث عن طرق جديدة ومختلفة لحل نفس المشكل.
نعم، هناك جهود كبيرة في محاولة تحريره من قيود المبرمج والبيانات التي يقدمها له، هناك جزء كبير من التعلم الذاتي يسمى بالتعلم دون إشراف (non-supervised learning) بحيث لا يتم تحديد أي أهداف له، هو نفسه يحدد الأهداف ويعمل على تطويرها، مثلا حين تعطيه صور فواكه، هو نفسه قد يضع الموز مع الليمون الأصفر لأن كليهما أصفر اللون، ويضع البرتقال مع التفاح لأن كليهما كروي الشكل وهكذا، فقط من الأنماط المتشابهة التي يجدها يقوم بالتقسيم إلى مجموعات (clustering).
نفس المجهود رأيناه في برنامج الشطرنج ولعبة Go المسمّى AlphaZero، ففي النسخة الثانية على عكس الأولى تم إعطاؤه فقط قوانين اللعبة، دون أي تجارب سابقة للاعبين البشر، وأصبح في ساعات قليلة لا يُقهر، مما يشير إلى أن تحديده السابق بتجارب البشر هو ربما ما كان يعيق إبداعه وتطويره لطرق جديدة لحل المشكل.
لماذا توجد مقارنة أخلاقية غير متساوية بين أفعال الذكاء الاصطناعي والفعل البشري؟ ستحدث ضجة لو تسبب الذكاء الاصطناعي في سيارة بدحس طفل صغير في الشارع، مع أن نفس الامر يحدث يوميا بين البشر ولا يتحدث عنه أحد
الفرق مشابه لسهولة إلقاء الشخص للوم على الآخرين في حين يجد ألف تبرير لأخطائه الشخصية، فالبشر يميلون للتقليل من شأن أخطائهم وتحسين صورتهم اتباعًا لنموذج الأنا والآخر. حين يقوم الذكاء الاِصطناعي بالخطأ فهو يدخل في دائرة الآخر التي لا تمسنا، وبالتالي يسهل انتقاده ولومه، هذا يعطينا إحساسًا بكوننا جيّدين فقط لأننا أجود، حتى لو كنا سيئًا أجود من السيّء جدًا، هذه هي طريقة تفكير البشر، نسبية وتعمل دومًا بالمقارنة بمرجع. الأمر كذلك قد يعود لصورة الذكاء الاصطناعي التي تعطينا إياها الميديا والسينما بتصويره على أنه المنافس والعدوّ القادم نحو البشر، فكأننا نواسي أنفسنا بتتبّع عثراته، لنقنع أنفسنا أنه لا يمكنه تعويض مكانتنا.
في تعامل البشر مع ذكاء اصطناعي قيد حيز الخدمة، ماهي أكثر الأفعال البشرية التي قد تؤثر في الذكاء الاصطناعي وتجعله مردوده سلبيا؟
أعتقد هي كلّ الأفعال الارتجالية والمفاجئة التي لم يتدرّب عليها والتي تجعل محيطه مختلفًا عن المتوقّع، مما يخلق له صعوبات إضافية في التأقلم والتعامل مع هذه الأفعال. ربما المثال الذي يحضرني هو تعامل الناس مع السيارات ذاتية القيادة، بحيث يقومون حين يرونها لأوّل مرة بحركات غريبة وعجيبة لمحاولة اختبار قدراتها أو لمجرّد التسلية، في حين تكون هي مدربة على محيط بشري عادي مشابه لمحيط السيارات العادية أين يتصرف الناس بطريقة طبيعية وعفوية، في الغالب سيتأقلم هذا الذكاء مع كل جديد، لكنها تصعّب الأمر فقط وهي في الحقيقة اختبار جيّد لقدرته على التأقلم مع غير المتوقّع.
ماهي حدود التخوف من تطور الذكاء الاصطناعي؟ وإلى أي أحد يعتبر هذا التخوف مبررا؟
لا أظن أنه هناك حدّ للتخوّف، لأننا فعلا تُجاه مجهول حقق في سنوات قليلة أكثر مما حققت الخوارزميات الكلاسيكية في عقود، فالأمر يدعو على الأقل للحذر، والتاريخ يخبرنا عن مدى هوس البشر بتصوّر المجهول وتطوّره في خيالهم (هنا نتكلم عن أمور لا تزال في مقام الخيال كالكائنات الفضائية والسفر عبر الزمن، إلخ)، ما بالك بما هو موجود حقيقة في حياتنا وهو يتطوّر بسرعة رهيبة. ككل موضوع هناك في البشر من كل أطيافه، لكن التخوّف من خروج الأمر عن السيطرة هو تخوّف في نظري مبرّر، خاصة أننا نعلم أن ما يحدد مستقبل الموضوع يخرج عن مجاله إلى مجالات أخرى كالسياسة والاقتصاد والمجالات العسكرية، أظن على المدى القريب تخوّفنا هو من استغلال بعض البشر ذوي النفوذ له أكثر منه هو ذاته.
استغلت الكثير من الحكومات جائحة فيروس كورونا المستجد للحصول على بيانات كبير متعلقة بالمواطنين، وقد أشار لهذا الكثير من المفكرين العالميين، كيف ترى تطبيقات الذكاء الاصطناعي في هذا الصدد مستقبلا؟
إن كان هناك شيء يتفوّق فيه الذكاء الاصطناعي بمراحل، فهو سرعة التحليل ودراسة البيانات الهائلة والمعقدة التي تأخذ من البشر وقتًا وجهدًا قد يكون في كثير من الأحيان مستحيلًا على أي إنسان. وهذا سيكون له قيمة كبيرة حين نكون محدودين بوقت ضيّق وثمين مثلما حدث خلال هذه الجائحة. في نظري، أعتقد أن الذكاء الاصطناعي سيكون له دور كبير في إنقاذ الحياة البشرية في المستقبل القريب، خاصة في مجالات الطب والبيولوجيا وصناعة الأدوية، وكذا في تحليل البيانات الهائلة للمواطنين التي غالبا ما تكون مجرد حبر على ورق يَملؤه الغبار، هذا التحليل قد يعطيه القدرة على تقديم تنبؤات وإشارات عملية للناس، لكن في المقابل سيعطي سلطة قوية لمن يملكه إن لم يُستعمل بطريقة راشدة وخاضعة لسيطرة غير مركزية. على كلّ موضوع استغلال البيانات عمومًا هو موضوع كبير ومختلف يحتاج لتناول خاص.
في سياق الحديث عن الجائحة، نادرا ما يشار إلى الصحة النفسية للمجتمعات، وما ينجم عنها من انحيازات وأحكام مغلوطة، ما هي أبرز المغالطات المنطقية التي رصدتها في الآونة الأخيرة؟
من الطبيعي في حال الأزمات التي تهدد حياة البشر أن تطفو اللاعقلانية إلى السطح، ليعود الأفراد إلى طبيعتهم الأنانية واللحظية الفاقدة للتخطيط والتريّث، لا أعلم إن كان يمكنني تذكّر الكثير، لكن المغالطات والانحيازات واللاعقلانية هي العنوان العريض لتصرفات معظم البشر خلال الأشهر الماضية. لقد رأينا الأنانية وكذا انحياز الإسقاط (إسقاط الحاضر المؤقت على المستقبل الدائم) عبر الناس التي تتهافت على ورق المراحيض والمواد الغذائية، رأينا مغالطة المنحدر الزلق عبر تنبؤات غير عقلانية لنتائج الفيروس والوسوسة المبالغ فيها، رأينا مغالطة السبب الزائف في أشكال كثيرة سواء أسباب ظهور الوباء بداية أو أسباب انتقال العدوى، رأينا التشبيهات الزائفة بين دول ومناطق وحتى أفراد بحالات مختلفة تنتج نتائج متباينة، رأينا الكثير من المقالات التي تقوم بالانتقاء في البيانات للخروج بتنبؤات ومقارنات لا صحة لها، رأينا النمطية في التفكير والأحكام المسبقة على مناطق محددة من العالم، رأينا اللامبالاة اللامسؤولة في ردود الفعل الأولى انطلاقًا من المواطن البسيط إلى رؤساء الدول، رأينا الاحتكام للخرافة لمواساة النفس والأقارب، رأينا الاحتكام للسلطات والدراسات في مجالها وغير مجالها مما أعطى في كثير من الأحيان نتائج متناقضة وحيرة وضياع لدى عامة الناس، رأينا معلومات خاطئة وأرقام تجهل أبسط مبادئ الاحتمال والإحصاء تعطي نتائج إما تهوّل الأمر في قلوب الناس أو تنمّي فيهم إحساسًا زائفًا بالأمان. أظنه كان ومازال اختبارًا مفيدًا للبشرية عبر كل المستويات الفردية والجماعية.
كإنسان متمرس في المنطق والانحيازات الإدراكيات، وكذا في تقنيات الذكاء الاصطناعي، ماهي أهم النقاط التي تنصح بها أي مهتم بأحد المجالين؟
هذا سؤال عام، ويصعب تحديده في أسطر. أعتقد أهم عامل كما في معظم المجالات هو الممارسة، الممارسة هي التي تجعلك تلامس العظم وتختبر حقيقة الشيء بعيدًا عن الإنشاء، من الجيد ألا تنطلق من فراغ وأن يكون لك اطّلاع على التنظير في المجال، لكن اجعل ذلك كحاجة لا كهدف، حين تلمس تفاصيل الشيء في الواقع ستعود أحيانا للتنظير حال الحاجة، لكنك ستكون بكلا رجليك في الوحل تصارع وتتعلّم. مارس التفكير والمنطق بالنقاش المتفتّح دون التعلّق بالأفكار والايديولوجيات المغلقة، مواقع التواصل الاجتماعي تتيح ذلك بشكل مكثّف، لكن مجددا لا تحوّلها لهدف، حين تصبح مكررة بلا فائدة وتكون بحاجة إلى العودة للتنظير ستعلم ذلك. كذلك تعلّم تحديد الأولويات، ولا تغرق في التفاصيل المتفرقة، حين يكون لك هدف وأولوية ستبقى مركّزا عليه وستعرف متى تقول لموضوع معين “ليس الآن”، بدل تتبع الموضات الفكرية. بالنسبة للمجالات التقنية، فالممارسة فيها أهم بمراحل، وأنت لا تعرف شيئا فيها دون ممارسة حتى لو كنت تحفظ أناجيل المجال عن ظهر قلب. ولا تفكّر كثيرًا في البداية، فقط ابدأ الآن كما أنت. فكما يقال المثالي عدوّ الجيدّ، والتنظير هو عدوّ العمليّة الأوّل.
ختاما، كتابك رجل القش الخاص بالمغالطات المنطقية والانحيازات الادراكية، جاء بعد نشرك لسلسلة منشورات حول المغالطات المنطقية على منصة فيسبوك، كيف يمكن أن تخلص لنا كلتا التجربتين؟ وأيتهما هي الأحسن في نشر الفكر النقدي المنطقي؟
في الحقيقة مازلت لا أعتبر تجربتي في الكتابة والنشر تجربة تستحق الكلام عنها طويلا، فقد كانت عفوية ودون أيّ تخطيط. عفوية لدرجة في صيف 2017 ردّ شخص على تعليق لي يوضح المغالطات الموجودة في منشور لصديق، يقترح في ردّه الكلام عنها في شكل منشورات، فقررت القيام بسلسلة منشورات (30 منشور) على منصة فيسبوك تحت هاشتاغ #الحشو_المنطقي، ثم بنفس العفوية حين أنهيتها راسلني صديق فلسطيني صاحب دار ترجمة يقترح عليّ أن أجمع المنشورات في كتاب مع تفصيل أكبر لنشره، فقررت اغتنام الفرصة وكتابة محتوى أكبر يكون دليلا مختصرًا وتبسيطيا للمغالطات المنطقية والانحيازات الادراكية.
لذلك فتجربتي قد لا تعكس الحالة العادية للموضوع، لكن بلا شكّ النشر الرسمي عبر دار نشر لها هياكل وأذرع في المجال وقادرة على التوزيع الواسع كان أكثر فعالية في إيصال المحتوى لعدد كبير من الناس، في حين مجرّد النشر على مواقع التواصل سيبقى منحصرًا على قائمة أصدقائك ومتابعيك ومتابعيهم في أفضل الأحوال. ثم الأمر يتعلق بالإضافة التي يقدّمها المحتوى الذي تنشره مقارنة بما هو موجود، وفي مجال المنطق والتفكير النقدي والفلسفة عمومًا، فلا شكّ أنّ أكبر قيمة يمكن إضافتها هي التبسيط وتقريب المضمون لعامّة الناس، وكذا الواقعية والعملية التي تجعلهم يرون المضمون في حياتهم اليومية والبعد عن التنظير المجرّد والمنفصل عن الواقع.
نشر الحوار في العدد الأول من مجلة النقطة الزرقاء. يمكنك تحميل العدد مجانا من هنا.