يعتبر مفهوم القوّة من المصطلحات الأكثر استعمالا في مختلف المجالات سواءً العلميّة، الاجتماعيّة أو الإنسانيّة. وتكمن القوّة في كل الممارسات الإنسانيّة اليوميّة والحياتيّة، لكنّها تبقى من المصطلحات التي تحتمل الكثير من التعريفات على حسب توجه المفكّر أو الكاتب. ومن بين التيارات المختلفة التي عرّفت القوّة، نجد التيّار العربي، فكيف ينظر الفكر العربي لمفهوم القوّة؟
لا يمكننا أن نحصر الفكر العربي في إطار واحد وصغير، ولكن يمكننا أن نقدم أمثلة عن أبرز المفكرين العرب وكيف كان تقديرهم لمفهوم القوّة.
مالك بن نبي :
ارتبط مفهوم القوّة عند مالك بن نبي بالحروب، حيث كان مفهوم القوّة بالنسبة له المواجهة المسلحة، سباق التسلح والحرب، وحاول أن يبرهن عن مدى فشل الحروب في تحقيق الأهداف وإصلاح المجتمعات. فحسب وجهة نظره أنّ الحروب ألغت القوة وعلى نحو مبكر، وهو الذي وصلت إليه أوروبا بعد أن جربت كل أنواع الحروب الدينيّة، القوميّة، والعالمية، وأعلنت العودة للإنسان بدون قوّة، أي العودة إلى الاهتمام بجوانب أخرى أهم من التسلح وممارسة القوّة الصلبة.
لم يشهد مالك بن نبي جميع الحروب، ولكنّه شهد حرب 1967م. وهذا الذي جعله يقول: “يخطِئ المسلم في تقديره عندما يعتقد أنّ الذي ينقصه هو الصاروخ أو على الأقل البندقيّة. ويتوهم أنّ هذا هو واجبه العاجل. إلى أن يقول: وسنظل نكرر ونلح في تكرارنا أن أزمة العالم الإسلامي ليست أزمة وسائل وإنما أزمة أفكار”.
ابن خلدون:
و على عكس مالك بن نبي. فإنّ ابن خلدون الذي يُعتبر من أبرز المفكرين العرب يعتبر القوّة ظاهرة أساسيّة للحفاظ على الأمن، ولكنّه قام بربطها بالعصبيّة، بالإضافة إلى أنّ ممارسة القوّة لا تظهر إلاّ في حالة وجود تهديدٍ. فيقول أنّ القوّة الحقيقيّة مصدرها العصبيّة التي تُولّد لدى الأفراد والجماعات المنتمين إلى هذه العصبية شعورًا لا يتبلور إلاّ عندما تتعرّض هذه الجماعة إلى تهديدٍ خارجي. والعلاقة بين العصبيّة وعصبيتهم تتأثر بمدى وجود خطر يهدّدهم، أو سلام يعمّهم. وعلى هذا الأساس فالعصبية توفّر للجماعة شيئين جوهريين:
تأمين العيش، إذ لا يكون إلى بالمدافعة والحماية.
تنازع البقاء، لأنّه لابد من القتال في جماعة.
بالإضافة إلى قوّة العصبيّة، يرى ابن خلدون “أنّ الدعوة الدينيّة تزيد أيضًا في قوة الدّولة” . نجد أنّ ابن خلدون أكّد على ضرورة وأهميّة القوّة لقيام الدّولة وقيادتها.
عبد الرّحمن الكواكبي
برز مصطلح القوّة عند الكواكبي أيضًا، وكان مقترنًا بالقوّة العسكريّة والاستبداد. وقد هاجم القوّة العسكريّة للاستبداد فقال: “وأمّا الجندية فتُفسد أخلاق الأمّة؛ حيثُ تُعلِّمها الشّراسة والطّاعة العمياء والاتِّكال. وتُميت النّشاط وفكرة الاستقلال، وتُكلِّف الأمّة الإنفاق الذي لا يطاق.وكُلُّ ذلك منصرف لتأييد الاستبداد المشؤوم: استبداد الحكومات القائدة لتلك القوَّة من جهة، واستبداد الأمم بعضها على بعض من جهة أخرى”.
بالتّالي فهو ينتقد بشدّة القوّة الصلبة والتي يتم استخدامها لتأييد الاستبداد، ويُصنفها إلى نوعين (داخليّة وخارجيّة)، الأولى متمثلة في القوّة التي يمارسها الحكّام ضدّ المحكومين. والثانية هي القوّة التي تستخدمها الأمم ضدّ بعضها البعض .
على الرّغم من الاختلافات الواضحة حول مفهوم القوّة عند المفكرين العرب، إلاّ أنّه يمكننا القول أنّ أغلبهم أجمعوا على أهميّتها كضرورة لمجابهة أي تهديد. وكأسلوب للتّوحد والتجمع تحت راية واحدة لتحقيق هدف واحد.
المراجع:
– علي أسعد وطفة/ في مضارب الاستبداد ونوازع الاستعباد: الكواكبي شاهدٌ على العصر/ مؤسسة مؤمنون بلاحدود/03 سبتمبر 2019.
– خالص جلبي/ مالك بن نبي (2)/ مدونات عمران/ تاريخ النشر 25/03/2020.
– دحطاب عبد المالك. التوجهات المختلفة في النظر إلى ظاهرة القوّة بين الفكر العربي والفكر الغربي. مجلة المعيار. المجلد التاسع العدد الثاني 2.
تدقيق لغوي: ميّادة بوسيف.