لماذا يتوجب عليك قراءة “كافكا على الشاطئ”؟

 عندما تخرج من العاصفة لن تكون الشخص ذاته الذي دخل إليها، هذا هو كل ما تتمحور العاصفة حوله

أحياناً يكون القدر كعاصفة صغيرة تواصل تغيير اتجاهاتها، تغير اتجاهك لكنها تلاحقك، فتحاول تغيير اتجاهك مرة أُخرى وتفشل إذ أنها لا تنفك تطاردك تارةً تلو الأُخرى. وهكذا تستمر في تكرار هذه اللّعبة معك، كرقصة مشؤومة مع الموت قبيل الفجر . ولماذا ؟ لأن هذه العاصفة ليست شيئاً يعصف من مكان بعيد، بل هي تمثلك… شيئٌ ما بداخلك.

هذا الاقتباس من الفصل الأوّل من رواية “كافكا على الشاطئ” لهاروكي موراكامي، والتي نُشرت في اليابان عام 2002 وتُرجمت الى الإنكليزية خلال السنوات الثلاث اللاحقة.

تتحدث الرواية عن الاضطراب الذي يسيطر على مراهقة بطل الرواية الذي يعيش حالة من اليأس ويقرر الهرب من قبضة أبيه المستبد ولعنة العائلة المحكوم عليها بتكرار نفسها، يسمي نفسه كافكا، تيمناً بكاتبه المفضل ثم يهرب من المنزل .لكن ذكريات الأم المفقودة، والأحلام التي تطارد يقظته تزيد من صعوبة تجاوز الأمر .

إن “كافكا على الشاطئ” هي أُحجية أدبية ملحمية مليئة بالسفر عبر الزمن وتواريخ خفية وعوالم سفلية سحرية.

تكمن متعة القارئ في اكتشاف كيفية تَلائُم المجازات المتلاعبة بالعقل والشخصيات غريبة الأطوار والأحداث الغامضة مع بعضها البعض .

يروي كافكا الفصل الثاني ومايليه مركزاً على رجل عجوز اسمه ساتورو ناكاتا، يفقد ناكاتا القدرة على القراءة والكتابة بعد إستيقاظه من غيبوبةٍ تغشي به خلال الحرب العالمية الثانية، لكنه يتحصل على موهبة غريبة وهي التحدث مع القطط. وعندما يُطلب منه العثور على قطة مفقودة، يُلقى به في طريق خطير موازٍ لطريق كافكا، وكما تثبت التنبؤات صحتها لاحقاً، تُفتح أبوابٌ تؤدي إلى أبعاد مختلفة، وتُمطر السماء الأسماك والعلق.

لكن ما الذي يربط هاتين الشخصيتين معاً ؟ -وهل هي قوة لا يمكن لأي منهما السيطرة عليها ؟ .

إن التصادم بين العوالم المختلفة هو تقليد شائع في أعمال هاروكي موراكامي. إذ دائماً ما تُظهر رواياته وقصصه القصيرة ترابط رائع بين الخبرة الشخصية والاحتمالات الخارقة للطبيعة والتاريخ الياباني.

ولد هاروكي في كيوتو عام 1949. و نشأ خلال الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية حيث الاحتلال الأمريكي لليابان. وبذلك ألقت الحرب بظلالها على حياته كما هو الحال مع خياله .إذ تُبرز كافكا على الشاطئ هجمات بايولوجيّة وخيالات عسكرية ومؤامرات غامضة.

كما تُبرز أعمال هاروكي فترات تاريخية وترسم تقاليد ثقافية متعددة، يُشير فيها الى المجتمع الغربي والتاريخ الياباني، من الأدب والموضة الى الطعام وقصص الأشباح .

فضلاً عن ميله إلى الإشارات الموسيقية، والذي تجسد في كافكا على الشاطئ خاصةً. فحينما يتجول كافكا في شوارع مدينة غريبة يكون كل من ليد زيبلين وبرنس رفيقاً دربه.

يلجئ بطل الرواية لاحقاً الى مكتبة راقية خاصة حيث يقضي أيامه عاكفاً على قراءة كتب قديمة ومتأملاً لوحة غريبة ومالك المكتبة الغامض، كما يكوّن صداقةً مع المكتبي الذي يُعرفه على الموسيقى الكلاسيكية مثل موسيقى شوبيرت.

وهذا الحس الموسيقي يجعل من أعمال هاروكي جميعها أكثر هدوءاً.

غالباً ما يثني هاروكي الخط بين عالمي الحقيقة والأحلام ويُعد خبير السحر الكامن في كل ما هو دنيوي، وهذه ميزة رئيسية للواقعية السحرية، على خلاف الخيال، فأن السحر في هذا النوع من الكتابة نادراً ما يُقدم طريقة للخروج من مشكلة ما، بدلاً عن ذلك يصير الى شيء آخر يزيد الحياة تعقيداً .

في كافكا على الشاطئ تُرغم الشخصيات على مواجهة مشاكل من عالم آخر لا نهاية لها، من طيف الحب الى مزمار مصنوع من أرواح القطط. ولا تعرض هذه التحديات إجابات سهلة، بل تتركنا بدلاً عن ذلك مندهشين من دهاء الروح الإنسانية للتعامل مع ماهو غير متوقع .

في حين يبدو كافكا متعلقاً بالغرائبية، فإن هنالك رقة واستقامة في قلب مهمته والتي تدفعه للمضي قدماً . ويشرع بتقبل فوضاه الداخلية بالتدريج  .

تكرر خبرته في النهاية على القارئ: “أنه كلما ذهبت الى العمق أكثر، كلما وجدت أكثر” .

تدقيق لغوي: محمد عيسى

المصدر: هنا.

كاتب

الصورة الافتراضية
Samah Salah
المقالات: 0