كانت فرجينيا وولف غير تقليديّة في نصرتها للقضايا النسويّة، آمنت بالمساواة لكنّها، كغيرها من الكتاب المحدثين في أوائل القرن العشرين، رأت نفسها كدخيلة ومراقبة. وقد جعلت هذه الشخصيّة مساهمتها مشحونة في الجماعات السياسيّة النسائيّة.كما بيّنت الباحثة كلارا جونز في كتابها “أنها ناشطة متناقضة، دافعت وساعدت في تنظيم مشاريع المنظمات النسائيّة لكنّها كانت ترجع إلى منزلها من لقاء ما وتسخر من الأنصار الآخرين في مذكراتها. إنّ هذه العلاقة المتعاطفة والشكوكيّة أيضًا بالحركة النسويّة جعلت حجتها المؤيدة للمساواة حول ندرة النساء الكاتبات العظيمات مثيرة للاهتمام.
كانت فرجينيا وولف كاتبة في وقت تلقّت فيه كتابات النساء احتراما أقل مما تتلقاه الآن، وحاولت أن تعرف لم كانت النساء الكاتبات قليلات جدا وفي مرتبة متدنيّة. للإجابة على هذا السؤال كتبت وولف:”لهو لغز أبديّ أن لاتوجد امرأة كتبت كلمة من هذا الأدب الرّائع في حين أنّ أي رجل آخر بدا قادرا على تأليف أغنية أو قصيدة.” وجهت الكاتبة نظرها إلى المجتمع الذي تعيش فيه النساء بدلا من النساء أنفسهن. وسطرت الكاتبة في النهاية هذه الأفكار في مقال مقنع بعنوان “غرفة تخص المرء وحده“.
استعانت بكتاب “تاريخ انجلترا” الموثوق به لـ “ترفليان” للتزود بالمعلومات. وجدت في فهرس الكتاب عنوان “مناصب النساء” وقلبت الصفحات حتّى عثرت على وصف للحياة في القرن الخامس عشر أين كان من العادي للفتاة التي ترفض الزواج من رجل محترم اختاره لها والداها أن تتعرّض للحبس والتعنيف دون أن يثير ذلك أي صدمة للرّأي العام.
تربط وولف هذه الحقيقة بمعرفتها بالتاريخ الأدبي الذي كانت فيه النساء تحيي مسرحيات شكسبير، إضافة إلى الرّوايات الرّوسية والفرنسيّة العظيمة، وقد وجدت مفارقة مقلقة، فالمرأة تسود الشعر من بدايته إلى نهايته لكنّها غائبة عن التّاريخ. فهي تسيطر على حياة الملوك والغزاة في الروايات، لكنّها في الحقيقة كانت جارية أي شابٍ فرض عليه والديه وضع خاتمه حول أصبعها. وبينما صدرت بعض أكثر الكلمات إلهامًا وأكثر الأفكار عمقًا في الأدب عن شفتيها، فقد كانت بالكاد تستطيع القراءة وتهجئة الحروف في الحياة الواقعيّة، بل وكانت ملكية خاصة لزوجها.
ما فعلته فرجينيا وولف بعدها معروفٌ، لكن دراسة تاريخ النسويّة وأدبها لمدّة عشر سنوات تقريبا جعلتني أدرك بأنّه قد تم التقليل من شأن وأهمّية تحليل فيرجينيا هذا، فلتقديم سبب معقول لعدم وجود كاتبات عظيمات، تخبر وولف جمهورها بأنّها سوف تخترع شخصية امرأة من العصر الإليزابيثي، وهي ببساطة أخت شكسبير، التي كانت تملك خيالاً عبقريّا، راغبة في إشباع حياة النساء والرّجال ودراسة أساليبهم.
” كافحت هذه المرأة التي أسمتها وولف “جوديث” – رغم أنّ الاسم الحقيقي لأخت شكسبير كان جوان- ضد قمع المجتمع للجنس الأنثوي. كانت جوديث كاتبة ملهمة حظت بالقليل من النجاح في مهنتها، لكنها وقعت في الحب مع رجل كان يعمل كمدير أعمال للممثلين، وحملت منه. وحين لم تر أي خيار آخر لها في المجتمع الاليزابيثي القمعي، قتلت جوديث نفسها، و هي مدفونة الآن في إحدى مفترقات الطرق حيث تتوقف الحافلات العامة. ” هذا ما ذكرته الكاتبة، وقد أنهت حكاية جوديث في هذه النقطة المؤثرة، ثمّ أضافت تحليلا عن وضع المرأة التي ولدت بموهبة شعرية في القرن السادس عشر وكانت تعيسة تعيش صراعا مع نفسها. ليأتي أخيرًا الاستنتاج الشهير في المقال: يجب على المرأة التي تريد الكتابة أن تملك غرفة خاصة بها و500 جنيه في السنة .
إن استخدام وولف للخيال لتقديم حجة حول الظلم الذي يسببه المجتمع الذكوري لهو أمر فريد، فهو يختلف عن الطريقة المعتادة التي يقوم بها المدافعون حين يقدمون حججهم حول المساواة بين الجنسين، بذكر الحقائق والإحصائيات التي تدعم ملاحظاتهم وحملاتهم؛ كما أنه يختلف عن نهج أيّ ناشط عادي آخر يتوسل الأدب والضمير الأخلاقي لجمهوره. فعند استعمال الخيال، اعتمدت وولف على نهج يلعب على عواطف قارئيها بالإضافة إلى قدراتهم المنطقيّة وتفكيرهم الأخلاقي. ربما لأنّ وولف علمت في بداية رحلتها المهنيّة كروائية، بعد نشر روايتي “السيدة دولواي” و”إلى المنارة” بسنتين، أنّ التّعاطف مع الحكايا المتخيّلة يمكن أن ينشأ في قلوب جمهورها. إذ تعتبر قراءة القصّة الحزينة لجوديث شكسبير، سواء كانت موجودة أم لا، تجربة مؤثرة، ومن الصعب ألّا تشعر بظلم المجتمع الأبوي على المرأة حين روت وولف النهاية المفاجئة لحياة جوديث ومكان دفنها بالقرب من موقف الحافلات.
إنّ الرواية ذات الصياغة الجيّدة لها نقائصها كذلك، والحجج التي استعملتها ليست من ذلك النوع الذي يستعمل لتعزيز تبني سياسة ما أو قانون جديد أكثر إنصافا. لكن يمكن للأدب الرّوائي، كما أظهرت الأبحاث، أن يطور من قدرتنا على التعاطف، وحكاية فرجينيا وولف عن جوديث شكسبير تشعل الخيال بطريقة تجعل الحقائق لا تستطيع أن تجيب السؤال المطروح، والذي هو “لماذا يوجد عدد قليل من الكاتبات العظيمات؟”. فقد سمحت حكاية جوديث لفرجينيا وولف بتجنب الجدال والتقيّد بشروط المعارضة حول قيمة الرّجال ضد قيمة النساء. وحققت بذلك جوديث الهدف الأساسي لوولف في إلهام قارئيها بإدراك أنّ عقول النساء “قارّات مجهولة” وأنّ المجتمع لا يعرف ماذا يمكن للنّساء القيام به.
تدقيق لغوي: ميّادة بوسيف.